إيليا أبو ماضي
يعد إيليا أبو ماضي من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، ولـد في قرية المحيدثة بـ لبنان عام 1889م، وتوفي في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1957م في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا المقال سنسرد لكم أفضل قصائد إيليا أبو ماضي.
قصيدة: ابتسم
قــــــالَ: الــســمــاءُ كــئـيـبـةٌ! وتــجـهـمـا
قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما!
قــال: الـصـبا ولّــى! فـقـلت لــه: ابـتسمْ
لـــن يــرجـعَ الأســـفُ الـصـبـا الـمـتصرما!
قــال: الـتي كـانت سـمائي فـي الـهوى
صـــارَتْ لـنـفـسي فـــي الـغـرام جـهـنّما
خـــانـــت عـــهـــودي بــعــدمــا مـلـكـتـهـا
قــلـبـي, فــكـيـف أطــيــق أن أتـبـسـما!
قــلـت: ابـتـسـم واطـــرب فــلـو قـارنـتـها
لــقــضــيـت عــــمـــرك كــــلـــه مــتــألــمـا
قـــــال: الــتــجـارة فــــي صــــراع هــائــل
مــثــل الـمـسـافـر كــــاد يـقـتـلـه الـظـمـا
أو غــــــــــادة مـــســلــولــة مـــحــتــاجــة
لـــــدم، وتــنــفـث كــلـمـا لــهـثـت دمــــا!
قــلـت: ابـتـسـم مـــا أنــت جـالـب دائـهـا
وشــفـائـهـا, فـــــإذا ابــتـسـمـت فــربــمـا
أيــكــون غــيـرك مـجـرمـا وتـبـيـت فـــي
وجــــل كــأنــك أنــــت صـــرت الـمـجـرما؟
قـــال: الـعـدى حـولـي عـلـت صـيـحاتهم
أَأُســـرُّ والأعــداءُ حـولـي فــي الـحـمى؟
قــلـت: ابـتـسـم, لـــم يـطـلـبوك بـذمـهم
لـــو لـــم تــكـن مـنـهـم أجـــلّ وأعـظـما!
قــــال: الــمـواسـم قــــد بـــدت أعـلامـهـا
وتـعـرضت لــي فــي الـمـلابس والـدمى
وعـــــلــــيّ لـــلأحـــبـــابِ فـــــــــرضٌ لازمٌ
لـــكــن كــفّــي لــيــس تــمـلـك درهــمــا
قــلـت: ابـتـسـم, يـكـفيك أنــك لــم تــزل
حــيًّــا, ولــســت مــــن الأحــبـة مـعـدمـا!
قــــــال: الــلـيـالـي جــرعـتـنـي عــلـقـمـا
قــلـت: ابـتـسـم ولـئـن جـرعـت الـعـلقما
فــــلـــعـــل غـــــيـــــرك إن رآك مـــرنّـــمـــا
طــــــــرح الـــكـــآبــة جـــانـــبًــا وتـــرنـــمــا
أتُــــــــراك تـــغــنــم بــالــتــبـرم درهــــمـــا
أم أنــــت تـخـسـر بـالـبـشاشة مـغـنـما؟
يـــا صـــاح, لا خــطـر عــلـى شـفـتيك أن
تــتــثــلــمـا, والـــــوجــــه أن يــتــحــطــمـا
فـاضـحك فـإن الـشهب تـضحك والـدجى
مــتــلاطــمٌ, ولــــــذا نـــحـــب الأنــجــمــا!
قـــال: الـبـشـاشة لــيـس تـسـعـد كـائـنا
يــأتــي إلــــى الــدنـيـا ويــذهـب مـرغـمـا
قــلــت ابـتـسـم مـــادامَ بـيـنـك والـــردى
شـــبــرٌ, فـــإنــك بـــعــدُ لـــــنْ تـتـبـسّـمـا
قصيدة: فلسفة الحياة
أيـــهــا الــشــاكـي ومـــــا بـــــك داء
كــيــف تــغــدو إذا غـــدوت عـلـيـلا؟
ان شــر الـجـناة فــي الأرض نـفس
تـتـوقـى، قــبـل الـرحـيـلِ، الـرحـيـلا
وتـرى الـشوك فـي الورود، وتعمى
أن تــــرى فــوقـهـا الــنــدى إكـلـيـلا
هـــو عـــبءُ عــلـى الـحـيـاة ثـقـيـل
مــــن يــظــن الـحـيـاة عـبـثـاً ثـقـيـلا
والـــــذي نــفــسـه بــغــيـر جــمــالٍ
لا يــرى فــي الـوجودِ شـيئاً جـميلاً
ليس أشقى ممن يرى العيش مراً
ويـــظـــن الـــلــذات فـــيــه فـــضــولا
أحـكـم الـنـاسِ فــي الـحـياة أنـاس
عــلــلــوهـا فــأحــسـنـوا الــتـعـلـيـلا
فـتـمـتع بـالـصـبحٍ مـــا دمـــت فــيـه
لا تــخــف أن يــــزول حــتــى يـــزولا
وإذا مــــــا أظــــــل رأســـــك هـــــم
قــصـرِ الـبـحـث فــيـه كــيـلا يــطـولا
أدركــــت كـنـهـهـا طــيــور الــروابـي
فـــمــن الـــعــارِ أن تـــظــل جــهــولا
مـــا تـراهـا والـحـقل مـلـك سـواهـا
تـــخــذت فــيــه مــسـرحـاً ومــقـبـلا
تـتـغـنى، والـصـقـر قــد مـلـك الـجـو
عــلــيـهـا، والــصــائــدون الــسـبـيـلا
تـتـغـنى، وقـــد رأت بـعـضـها يـؤخـذ
حـــيــاً والــبــعـض يــقــضـي قــتـيـلا
تـتـغـنـى، وعــمـرهـا بــعــض عــــامٍ
أفـتـبـكـي وقــــد تــعـيـش طــويــلا؟
فـهي فـوق الغصون في الفجرِ تتلو
ســـــور الـــوجــد والــهــوى تــرتـيـلا
وهــي طــوراً عـلـى الـثرى واقـعات
تــلــقـط الـــحــب أو تــجــر الــذيــولا
كــلـمـا أمــسـك الـغـصـون ســكـون
صــفـقـت لـلـغـصـون حــتـى تـمـيـلا
فـــــإذا ذهــــب الأصــيــل الــروابــي
وقــفــت فــوقـهـا تـنـاجـي الأصــيـلا
فـأطلب اللهو مـثلما تـطلب الأطيار
عـــنـــد الــهــجـيـر ظــــــلا ظــلــيــلا
وتــعــلـم حـــــب الـطـبـيـعـة مــنـهـا
واتـــــرك الـــقــال لــلــورى والــقـيـلا
فــالــذي يــتـقـي الــعــواذل يـلـقـى
كـــل حــيـنٍ كـــل شــخـص عـــذولا
أنــــــــت لــــــــلأرض أولاً وأخــــيــــراً
كــنـت مـلـكـاً أو كـنـت عـبـداً ذلـيـلا
لا خــلــود تــحــت الـسـمـاء لــحـي
فـــلــمــاذا تــــــراود الـمـسـتـحـيـلا؟
كــــل نــجــمٍ إلـــى الأفـــول ولــكـن
آفــــة الــنـجـمِ أن يــخــاف الأفــــولا
غــايـة الـــورد فـــي الـريـاض ذبــول
كــن حـكـيماً واسـبـق إلـيـه الـذبولا
وإذا مـــا وجـــدت فــي الأرض ظــلا
فــتــقـيـأ بــــــه إلــــــى أن يـــحـــولا
وتـــوقــع، إذا الــســمـاء اكــفــهـرت
مـطراً فـي السهول يُحي السهولا
قــــل لــقـومٍ يـسـتـنزِفون الـمـآقـي
هـــل شـفـيتم مــع الـبـكاء غـلـيلا؟
مـــا أتـيـنـا إلـــى الـحـيـاة لـنـشقى
فـأريـحـوا، أهـــل الـعـقـول، الـعـقولا
كـــل مـــن يـجـمـع الـهـمـوم عـلـيه
أخـــذتــه الــهــمـوم أخـــــذاً وبـــيــلا
كـــن هـــزاراً فـــي عُــشـه يـتـغنى
ومــــع الــكـبـل لا يــبـالـي الــكُـبُـولا
لا غُـرابـاً يـطـارد الــدود فــي الأرض
وبُـومـاً فــي الـلـيل يـبـكي الـطـلولا
كـن غـديراً يـسير في الأرض رقراقاً
فـيـسـقـي مـــن جـانـبـيه الـحـقـولا
تـسـتـحـم الــنـجـوم فــيـه ويـلـقـى
كـــل شـخـص وكــل شــيِء مـثـيلا
لا وعــــــاء يُــقــيـد الـــمــاء حـــتــى
تـسـتـحـيل الــمـيـاه فــيــه وحــــولا
كن مع الفجرِ نسمة توسع الأزهار
شــــــمــــــاً وتـــــــــــارة تـــقـــبـــيــلا
لا سـمـومـاً مـــن الـوافـي الـلـواتي
تــمـلأ الأرض فـــي الــظـلامِ عـويـلا
ومــع الـلـيل كـوكـباً يُـؤنسُ الـغابات
والـــنــهــر والــــربـــى والـــســهــولا
لا دجـــى يــكـره الـعـوالـم والـنـاس
فـيـلـقـي عــلـى الـجـمـيعِ سُـــدولا
أيـــهــذا الــشـاكـي ومــــا بــــك داء
كـــن جـمـيـلاً تـــر الــوجـود جـمـيـلا
قصيدة: كن بلسما
كـــن بـلـسماً إن صــار دهــرك أرقـمـا
وحـــــلاوة إن صــــار غــيــرك عـلـقـمـا
إن الــحــيـاة حــبــتـك كــــلَّ كــنـوزهـا
لا تـبـخـلن عـلـى الـحـياة بـبـعض مــا
أحــسـن وإن لـــم تـجـز حـتـى بـالـثنا
أي الـجـزاء الـغـيث يـبغي إن هـمى؟
مـــــن ذا يــكــافـئ زهــــرة فــواحــةً؟
أو مــــن يــثـيـب الـبـلـبـل الـمـتـرنـما؟
عـــد الــكـرام الـمـحـسنين وقـسـهـم
بــهـمـا تــجــد هــذيـنِ مـنـهـم أكــرمـا
يــا صــاحِ خــذ عـلـم الـمـحبة عـنـهما
إنــــي وجـــدت الــحـب عـلـمـا قـيـمـا
لــو لــم تـفح هـذي، وهـذا مـا شـدا،
عــاشــت مـذمـمـة وعـــاش مـذمـمـا
فـاعـمل لإسـعـاد الـسّـوى وهـنـائهم
إن شـئت تـسعد فـي الـحياة وتـنعما
أيــقــظ شــعــورك بـالـمـحبة إن غــفـا
لــولا شـعـور الـنـاس كـانـوا كـالـدمى
أحــبــب فـيـغـدو الــكـوخ قــصـرا نــيـرا
وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
مــا الـكـأس لــولا الـخمر غـير زجـاجة
والـــمــرء لـــــولا الـــحــب إلا أعــظـمـا
كــــره الــدجــى فــاســود إلا شـهـبـه
بـقـيـت لـتـضـحك مـنـه كـيـف تـجـهما
لـــو تـعـشـق الـبـيـداءُ أصــبـح رمـلـهـا
زهـــراً، وصـــارَ سـرابُـهـا الــخـداع مــا
لــو لــم يـكـن فــي الأرض إلا مـبـغض
لـــتـــبــرمــت بـــــوجــــوده وتـــبـــرمـــا
لاح الــجـمـال لــــذي نــهــى فــأحـبـه
ورآه ذو جــــهــــلٍ فــــظـــن ورجــــمـــا
لا تــطــلـبـن مــحــبـةً مـــــن جـــاهــل
الــمـرء لــيـس يُــحـب حــتـى يـفـهـما
وأرفــــــق بــأبــنــاء الــغــبــاء كــأنــهـم
مـرضى، فـإن الـجهل شيء كالعمى
والـــه بـــورد الـــروض عـــن أشــواكـه
وانـــس الـعـقـارب إن رأيـــت الأنـجـما
يــــا مــــن أتــانــا بــالـسـلام مـبـشـراً
هش الحمى لما دخلت إلى الحمى
وصــفــوك بـالـتـقـوى وقــالــوا جــهـبـذ
عـــلامــة، ولـــقــد وجـــدتــك مـثـلـمـا
لــفـظ أرق مـــن الـنـسـيم إذا ســرى
ســحــراً، وحــلـو كـالـكـرى إن هــومـا
وإذا نـطـقـت فــفـي الــجـوارحِ نـشـوة
هـي نـشوة الـروحِ ارتـوت بـعد الـظما
وإذا كـتـبت فـفـي الـطـروسِ حـدائـق
وشــــى حـواشـيـها الــيـراع ونـمـنـما
وإذا وقــفـت عـلـى الـمـنابر أوشـكـت
أخــشــابــهــا لـــلــزهــوِ أن تــتــكـلـمـا
إن كـنـت قــد أخـطاك سـربال الـغنى
عـاش ابـن مـريم لـيس يـملك درهما
وأحــــب حــتـى مـــن أحـــب هــلاكـه
وأعـــان حــتـى مـــن أســـاء وأجــرمـا
نــام الـرعـاة عــن الـخـراف ولــم تـنـم
فــإلـيـك نــشـكـو الـهـاجـعـين الـنـومـا
عـــبـــدوا الإلـــــه لــمـغـنـمٍ يــرجــونـه
وعـبـدت ربــك لـسـت تـطـلب مـغـنما
كــــــم روعــــــوا بــجــهـنـم أرواحـــنـــا
فــتـألـمـت مـــــن قـــبــل أن تــتـألـمـا!
زعـــمـــوا الإلــــــه أعـــدهــا لــعـذابـنـا
حــاشــا، وربــــك رحــمـة، أن يـظـلـما
مــا كــان مــن أمـر الـورى أن يـرحموا
أعـــــــداءهــــــم إلا أرق وأرحــــــمــــــا
لــيـسـت جـهـنـم غــيـر فــكـرة تــاجـرٍ
ألــلــه لــــم يــخـلـق لــنــا إلا الــسـمـا
قصيدة: التينة الحمقاء
وتــيــنــة غـــضـــة الأفـــنـــان بــاســقـة
قـــالــت لأتــرابــهـا والــصـيـف يـحـتـضـر
بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عـنـدي الـجـمال وغـيـري عـنـده الـنظر
لأحــبـسـن عــلـى نـفـسـي عـوارفـهـا
فــــلا يــبـيـن لــهــا فــــي غـيـرهـا أثـــر
كـــم ذا أكـلّـف نـفـسي فــوق طـاقـتها
ولـيـس لـي بـل لـغيري الـفيء والـثمر
لــذي الـجـناح وذي الأظـفـار بــي وطـر
ولـيس فـي الـعيش لي فيما أرى وطر
إنـــي مـفـصلة ظـلـي عـلـى جـسـدي
فـــــلا يـــكــون بـــــه طـــــول ولا قــصــر
ولـــســـت مــثــمـرة إلا عـــلــى ثـــقــة
إن لــيــس يـطـرقـنـي طــيــر ولا بــشـر
عــــاد الــربـيـع إلــــى الـدنـيـا بـمـوكـبه
فـازيـنت واكـتست بـالسندس الـشجر
وظـــلـــت الــتـيـنـة الــحـمـقـاء عـــاريــة
كــأنــهـا وتـــــد فـــــي الأرض أو حــجــر
ولــم يـطـق صـاحـب الـبـستان رؤيـتـها
فـاجـتـثّها، فــهـوت فــي الـنـار تـسـتعر
مـن لـيس يسخو بما تسخو الحياة به
فـــإنـــه أحـــمـــق بــالــحــرص يــنـتـحـر
قصيدة: المساء
السحبُ تركضُ في الفضاء الرّحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى.. بماذا تفكّرين؟
سلمى.. بماذا تحلمين؟
****
أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم؟
أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم؟
أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما
أظلالها في ناظريك
تنمّ، يا سلمى، عليك
****
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق
يرجو صديقاً في الفلاة، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضوءها، ويخاف تخدعه البروق
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام
لا يستطيع الانتصار
ولا يطيق الانكسار
****
هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك
فلقد رأيتك في الضّحى ورأيته في وجنتيك
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك
وجلست في عينيك ألغاز، وفي النّفس اكتئاب
مثل اكتئاب العاشقين
سلمى.. بماذا تفكّرين؟
****
بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها؟
أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها؟
أم بالعصافير التي تعدو إلى وكناتها؟
أم بالمسا؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكين
والشّوك مثل الياسمين
****
لا فرق عند اللّيل بين النهر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع
إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع
لكن لماذا تجزعين على النهار وللدّجى
أحلامه ورغائبه
وسماؤه وكواكبه؟
****
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج ولا المياه خريرها
كلّا، ولا منع النّسائم في الفضاء مسيرها
ما زال في الورق الحفيف وفي الصّبا أنفاسها
والعندليب صداحه
لا ظفره وجناحه
****
فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح
واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح
وتمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح
من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان
لا تبصرين به الغدير
ولا يلذّ لك الخرير
****
لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا
ولتملإ الأحلام نفسك في الكهولة والصّبى
مثل الكواكب في السماء وكالأزاهر في الرّبى
ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته
أزهاره لا تذبل
ونجومه لا تأفل
****
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعي الكآبة والأسى واسترجعي مرح الفتاة
قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا
فيه البشاشة والبهاء
ليكن كذلك في المساء
قصيدة: كم تشتكي
كـــم تـشـتـكي وتــقـولُ إنّـــك مُـعـدِمُ
والأرضُ مِــلـكُـك والــسـمـا والأنــجُــمُ
ولــــك الــحُـقـولُ وزهــرُهــا وأريــجُـهـا
وَنــســيــمُـهـا والــبُــلــبُـلُ الــمُــتــرنِّـمُ
والـــمـــاءُ حـــوْلـــك فـــضّـــةً رقـــراقــةً
والـشـمـسُ فــوْقـك عـسـجدٌ يـتـضرّمُ
والنور يبني في السّفوح وفي الذّرى
دورا مـــزخـــرفــة وحـــيـــنــا يــــهـــدم
فــكــأنّــه الــفــنّــان يـــعـــرض عــابــثـا
آيــــاتــــه قــــــــدّام مــــــــن يــتــعــلّـم
وكـــــأنّـــــه لـــصـــفــائــه وســـنـــائـــه
بـــحــر تــعــوم بــــه الــطّـيـور الــحــوّم
هـشّـت لــك الـدّنـيا فـما لـك واجـما؟
وتــبــسّــمـت فــــعـــلام لا تــتــبـسّـم
إن كــنــت مـكـتـئبا لــعـزّ قـــد مــضـى
هــيــهــات يــرجــعــه إلـــيـــك تـــنــدّم
أو كـنـت تـشـفق مــن حـلول مـصيبة
هــيــهـات يــمــنـع أن تــحــلّ تــجـهّـم
أو كـنـت جــاوزت الـشّـباب فــلا تـقـل
شــــــاخ الـــزّمـــان فـــإنّـــه لا يـــهــرم
أنــظـر فـمـا زالــت تـطـلّ مــن الـثّـرى
صــــــور تـــكـــاد لــحـسـنـهـا تــتـكـلّـم
مــــا بــيــن أشــجــار كــــأنّ غـصـونـها
أيـــــــد تـــصــفّــق تـــــــارة وتــســلّــم
وعــيـون مـــاء دافــقـات فـــي الــثّـرى
تـشـفي الـسـقيم كـأنّما هـي زمـزم
ومــســارِحٍ فــتــن الـنـسـيمُ جـمـالُـها
فـــســرى يُـــدنــدِنُ تــــارةً ويُـهـمـهِـمُ
فـــكــأنّــه صـــــــبّ بــــبـــاب حــبــيـبـة
مــتـوسّـل، مـسـتـعـطف، مـسـتـرحم
والــجــدول الــجـذلان يـضـحـك لاهــيـا
والــنـرجـس الــولـهـان مــغــف يـحـلـم
وعـلـى الـصـعيد مـلاءه مـن سـندس
وعـلى الـهضاب لـكلّ حـسن مـيسم
فـــهــنــا مـــكـــان بـــالأريـــج مــعــطّــر
وهـــنــاك طـــــود بـالـشّـعـاع مــهـمّـم
صـــــور وآيـــــات تــفــيـض بــشــاشـة
حـــتّـــى كـــــأنّ الله فــيــهـا يــبــسـم
فـــامــش بـعـقـلـك فــوقـهـا مـتـفـهّـما
إنّ الــمــلاحـة مـــلــك مــــن يـتـفـهّـم
أتــــــزورُ روحــــــك جـــنّـــة فــتـفـوتـهـا
كــيــمـا تـــــزورك بـالـظـنـونِ جــهـنّـمُ؟
وتـــرى الـحـقـيقة هـيـكـلا مـتـجـسّدا
فــتــعــافـهـا لــــوســــاوس تـــتــوهّــم
يــا مــن يـحـنّ إلــى غــد فــي يـومـه
قـــد بــعـت مـــا تـــدري بـمـا لا تـعـلم
قصيدة: العيون السود
لــيـت الـــذي خـلـق الـعـيون الـسـودا
خــلــق الــقـلـوب الـخـافـقـات حــديــد
لـــــولا نـواعـسـهـا و لــــولا ســحـرهـا
مـــــا ود مـــالــكُ قــلــبـه لـــــو صــيــدا
عــــوّذ فــــؤادك مــــن نــبـال لـحـاظـها
أو مـــت كــمـا شـــاء الـغـرام شـهـيدا
إن أنـــت أبـصـرت الـجـمال ولــم تَـهـم
كــنـت امـــرءا خـشـن الـطـباع، بـلـيدا
وإذا طــلــبــت مـــــع الــصـبـابـة لـــــذّةً
فــلــقـد طــلـبـت الــضـائـع الــمـوجـودا
يـــا ويـــح قـلـبـي إنّـــه فـــي جـانـبـي
وأظــــنّـــه نــــائـــي الـــمـــزار بــعــيــدا
مــسـتـوفـزٌ شـــوقــا إلـــــى أحــبــابـه
الـــمــرء يـــكــره أن يــعــيـش وحــيــدا
بـــــرأ الإلـــــه لـــــه الــضــلـوع وقــايــة
وأرتـــــه شــقــوتـه الــضــلـوع قـــيــودا
فـــإذ هــفـا بـــرق الـمـنـى وهـفـا لــه
هـــاجـــت دفــائــنــه عــلــيـه رعـــــودا
جـشـمـتـه صــبــرا فــلـمّـا لـــم يــطـق
جــشّــمـتـه الــتــصـويـب والـتـصـعـيـدا
لـــو أسـتـطـيع وقـيـته بـطـش الـهـوى
ولــو اسـتـطاع ســلا الـهـوى مـحمودا
هي نظرة عرضت فصارت في الحشا
نـــــارا و صـــــار لــهــا الــفــؤاد وقــــودا
والــحــب صــــوت، فــهــو أنّــــة نــائــح
طـــــــورا وآونـــــــة يـــكـــون نــشــيــدا
يَـــهَــب الــبــواغـمَ ألــســنـاً صــداحــة
فــــــإذا تــجــنّــى أســـكــت الــغــرّيـدا
مـا لـي أكـلّف مـهجتي كـتمَ الأسـى
إن طـــال عــهـد الــجـرح صــار صـديـدا
ويـــلــذّ نــفـسـي أن تــكــون شــقـيّـة
ويـــلـــذّ قــلــبـي أن يـــكــون عــمــيـدا
إن كـنـت تــدري مــا الـغـرام فـداونـي
أو لا فــــخــــلّ الــــعـــذل والــتــفـنـيـدا
يــا هـنـد قــد أفـنـى الـمـطال تـصبّري
وفــنـيـت حــتّــى مــــا أخـــاف مــزيـدا
مــــا هــــذه الـبـيـض الــتـي أبـصـرتِـها
فــــي لــمّـتـي إلاّ الـلّـيـالـي الــسـودا
مـــا شــبـت مـــن كــبـر ولـكـنّ الــذي
حــمّـلـتِ نــفـسـي حـمّـلَـتْـه الــفُــودا
هــــذا الــــذي أبــلــى الـشـبـاب وردّه
خــلــقـا وجـــعّــد جــبـهـتـي تــجـعـيـدا
عـلـمـت عـيـنـي أن تــسـحّ دمـوعَـهـا
بـالـبـخـل عــلـمـت الـبـخـيـل الــجــودا
ومــنــعــت قــلــبـي أن يـــقِــرّ قـــــراره
ولــقـد يـكـون عـلـى الـخـطوب جـلـيدا
دلّـهـتـني وحـمـيـت جـفـنـي غـمـضـه
لا يـسـتـطـيع مــــع الـهـمـوم هــجـودا
لا تــعــجـبـي أنّ الــكــواكــب ســـهّــد
فـــأنــا الـــــذي عـلّـمـتـهـا الـتـسـهـيدا
أسـمـعـتها وصـــف الـصـبـابة فـانـثـنت
وكــأنّــمـا وطـــــيء الــحــفـاة صــــرودا
مـــتـــعــثّــرات بـــالـــظـــلام كـــأنّـــمـــا
حـــــال الـــظــلام أســـــاودا وأســــودا
ولأنّــهـا عــرفـت مـكـانـك فــي الـثـرى
صـــــارت زواهـــرهــا عــلـيـك عــقــودا
أنــت الـتـي تُـنـسي الـحـوائج أهـلـها
وأخــــــا الــبــيــان بــيــانـه الــمـعـهـودا
مــا شـمـت حـسـنك قــط إلاّ راعـنـي
فــــوددت لــــو رزق الــجـمـال خــلــودا
وإذا ذكــرتــك هــــزّ ذكــــرك أضــلـعـي
شــوقــا كــمــا هــــزّ الـنـسـيم بــنـودا
فـحسبت سـقط الطلّ ذوب محاجري
لــــو كـــان دمـــع الـعـاشـقين نـضـيـدا
وظــنـنـت خــافـقـة الــغـصـون أضـالـعـا
وثـــمـــارهـــن الـــقــانــيــات كــــبــــودا
وأرى خــيــالـك كـــــلّ طـــرفــة نــاظــر
ومــــــن الــعــجـائـب أن أراه جـــديـــدا
وإذا سـمـعـت حـكـايـة مـــن عــاشـق
عـرضـا حـسـبتني الـفـتى الـمـقصودا
مــسـتـيـقـظ و يُـــظَـــنّ أنّـــــي نـــائــم
يـــا هـنـد، قــد صــار الـذهـول جـمـودا
ولـقـد يـكـون لــي الـسلوّ عـن الـهوى
لــكــنّــمــا خــــلــــق الـــمــحــبّ ودودا
قصيدة: وطن النجوم
وطـــن الـنـجـوم.. أنـــا هــنـا
حـــدق.. أتــذكـر مـــن أنــا؟
ألمحت في الماضي البعيد
فــــتـــى غـــريـــرا أرعـــنـــا؟
جــذلان يـمرح فـي حـقولك
كــالــنــســيــم مــــدنـــدنـــا
الـمـقتنى الـمـملوكُ مـلعبُهُ
وغـــــــيــــــر الـــمـــقــتــنــى
يـتـسلّق الأشـجار لا ضـجرا
يــــــحــــــس ولا ونــــــــــــى
ويــعــود بـالأغـصـان يـبـريـها
ســـــيـــــوفــــا أو قـــــــنـــــــا
ويـخـوض فـي وحـل الـشتا
مــــتـــهـــلـــلا مـــتـــيـــمــنــا
لا يــتــقـي شـــــر الــعـيـون
ولا يـــــخـــــاف الألـــســـنـــا
ولـكـم تـشيطن كـي يـقول
الـــنــاس عـــنــه تـشـيـطـنا
أنـــــا ذلــــك الــولــد الــــذي
دنــــيـــاه كــــانـــت هــهــنــا
أنــــا مــــن مـيـاهـك قــطـرة
فـاضـت جــداول مــن سـنـا
أنـــــــا مـــــــن تـــرابـــك ذرة
مـاجـت مـواكـب مــن مـنى
أنــــا مــــن طــيــورك بــلـبـل
غــنــى بـمـجـدك فـاغـتـنى
حـمـل الـطّلاقة والـبشاشة
مــــــن ربـــوعـــك لــلــدنــى
كــم عـانـقت روحــي ربــاك
وصـفـقـت فـــي الـمـنـحنى
لـــــــلأرز يــــهـــزأ بــالــريــاح
وبــــالــــدهـــور وبـــالـــفـــنــا
لــلــبـحـر يــنــشــره بـــنــوك
حـــــــضــــــارة وتــــمــــدنــــا
لـــلــيــل فــــيـــك مــصــلــيـا
لــلــصــبـح فـــيـــك مـــؤذنـــا
للشمس تبطيء في وداع
ذراك كــــــيـــــلا تــــحــــزنـــا
لـلـبدر فــي نـيـسان يـكحل
بــــالـــضـــيـــاء الأعــــيــــنــــا
فـيذوب فـي حـدق الـمهى
ســــحـــرا لــطــيــفـا لــيّــنــا
لـلـحـقـل يــرتـجـل الــروائــع
زنــــبــــقـــا أو ســــوســـنـــا
لـلـعـشـب أثــقـلـه الــنــدى
لــلـغـصـن أثــقـلـه الــجـنـى
عــــاش الـجـمـال مـتـشـردا
فــي الأرض يـنشد مـسكنا
حـتى انـكشفت لـه فألقى
رحـــــــلـــــــة وتـــــوطّـــــنــــا
واسـتـعـرض الـفـن الـجـبال
فــكــنـت أنـــــت الأحــسـنـا
لــلـه ســـر فـيـك، يــا لـبـنان
لــــــــــم يــــعـــلـــن لـــــنـــــا
خــلـق الـنـجـوم و خــاف أن
تـــغــوي الــعــقـول وتــفـتـنـا
فـــــأعـــــار أرزك مـــــجـــــده
وجــــلالـــه كــــــي نــؤمــنــا
زعــمـوا سـلـوتـك.. لـيـتـهم
نــســبـوا إلـــــي الـمـمـكـنـا
فالمرء قد ينسى المسيء
الــمــفــتـري والــمــحـسـنـا
والـخـمـر والـحـسناء والـوتـر
الـــــمـــــرنــــح والـــــغــــنــــا
ومـــــرارة الــفــقـر الـــمــذل
بـــــــل، ولــــــذات الــغــنــى
لـــكـــنــه مـــهــمــا ســـــــلا
هــيـهـات يـسـلـو الـمـوطـنا
قصيدة: الطين
نــسـي الـطـيـن سـاعـة أنــه طـيـن
حـــقــيــر فـــصـــال تــيــهــا وعـــربـــد
وكــسـى الــخـز جـسـمـه فـتـباهى
وحـــــوى الـــمــال كــيـسـه فــتـمـرد
يـــا أخـــي لا تــمـل بـوجـهـك عـنّـي
مــــا أنــــا فــحـمـة ولا أنــــت فــرقــد
أنــــت لــــم تــصـنـع الــحـريـر الـــذي
تــلــبـس والــلــؤلـؤ الـــــذي تــتـقـلـد
أنـــــــــت لا تـــــأكــــل الـــنـــضــار إذا
جـعـت ولا تـشـرب الـجمان الـمنضد
أنــت فــي الـبـردة الـمـوشاة مـثلي
في كسائي الرديم تشقى وتسعد
لــــك فــــي عــالــم الـنـهـار أمــانـي
ورأى والــــظـــلام فـــوقـــك مــمــتــد
ولــقـلـبـي كـــمــا لــقـلـبـك أحـــــلام
حــــســـان فـــإنـــه غـــيـــر جــلــمــد
أأمــــانـــي كـــلــهــا مـــــــن تــــــراب
وأمــانــيـك كــلــهـا مـــــن عــســجـد
وأمـــــانــــي كـــلـــهــا لــلــتــلاشــي
وأمـــانـــيـــك لــلــخــلــود الـــمـــؤكــد
لا فــهــذي وتــلـك تــأتـي وتـمـضـي
كـــذويـــهــا وأي شــــــــيء يــــؤبـــد
أيـهـا الـمـزدهي إذا مـسـك الـسقم
ألا تــــشــــتـــكـــي ألا تــــتــــنـــهـــد
وإذا راعــــــــك الــحــبــيــب بـــهــجــر
ودعــــتـــك الــــذكـــرى ألا تـــتــوحــد
أنــت مـثـلي يـبش وجـهك لـلنعمى
وفـــــي حـــالــة الـمـصـيـبـة يــكــمـد
أدمـــوعــي خــــل ودمــعــك شــهــد
وبـــكــائــي ذل ونـــوحـــك ســــــؤدد
وابـتـسـامتي الــسـراب لا ري فــيـه
وابــتــسـامـتـك الــــلآلـــي الــــخـــرد
فــــلــــك واحـــــــد يــــظـــل كــلــيــنـا
حــــار طــرفــي بـــه وطــرفـك أرمـــد
قــــمــــر واحـــــــد يــــطـــل عــلــيــنـا
وعــلــى الــكــوخ والــبـنـاء الــمـوطـد
إن يــكــن مــشـرقـا لـعـيـنـيك إنــــي
لا أراه مــــن كــــوة الــكــوخ أســــود
ألــنــجــوم الـــتـــي تـــراهـــا أراهـــــا
حـــيــن تــخــفـي وعــنــدمـا تــتـوقـد
لــسـت أدنـــى عــلـى غـنـاك إلـيـها
وأنـــا مـــع خـصـاصتي لـسـت أبـعـد
أنــــت مــثـلـي مـــن الــثـرى وإلــيـه
فـلـمـاذا يـــا صـاحـبي الـتـيه والـصـد
كـنـت طـفـلا إذ كـنـت طـفـلا وتـغـدو
حــيــن أغــــدو شــيـخـا كــبـيـرا أدرد
لـسـت أدري مــن أيـن جـئت ولا مـا
كـنـت أو مـا أكـون يـا صـاح فـي غـد
أفـــــــتـــــــدري إذن فـــــخــــبــــر وإلا
فـــلــمــاذا تــــظـــن أنـــــــك أوحــــــد
ألـك الـقصر دونـه الـحرس الـشاكي
ومـــــن حـــولــه الــجــدار الـمـشـيـد
فــامــنــع الــلــيـل أن يـــمــد رواقـــــا
فـــــوقــــه والـــضـــبــاب أن يــتــلــبــد
وانـــظـــر الـــنــور كـــيــف يـــدخــل لا
يـطـلـب أذنــا فـمـا لــه لـيـس يـطـرد
مــــرقـــد واحــــــد نــصــيـبـك مـــنـــه
أفــتــدري كــــم فــيـك لــلـذر مــرقـد
ذدتــنــي عــنــه والــعـواصـف تــعــدو
فــــي طــلابـي والــجـو أقــتـم أربـــد
بـيـنـما الـكـلـب واجـــد فــيـه مـــأوى
وطــعــامـا والـــهــر كـالـكـلـب يــرفــد
فـسـمـعـت الـحـيـاة تـضـحـك مــنّـي
أتـــرجــى ومـــنــك تــأبــى وتــجـحـد
ألـــــك الـــروضــة الـجـمـيـلـة فــيــهـا
الـــمــاء والــطــيـر والأزاهـــــر والــنــد
فـــازجــر الـــريــح أن تـــهــز وتــلــوي
شــــجـــر الـــــــروض إنــــــه يـــتـــأود
والــجـم الــمـاء فـــي الـغـديـر ومــره
لا يــصــفــق إلا وأنــــــت بــمــشـهـد
إن طــــيـــر الأراك لـــيـــس يــبــالــي
أنـــــت أصــغــيـت أم أنـــــا إن غــــرد
والأزاهـيـر لـيـس تـسخر مـن فـقري
ولا فـــــيـــــك لـــلــغــنــى تـــــتــــودد
ألـــــــك الـــنــهــر إنـــــــه لــلـنـسـيـم
الـــرطــب درب ولـلـعـصـافـير مـــــورد
وهـــــو لــلـشـهـب تــسـتـحـم بـــــه
فــــي الــصـيـف لــيـلا كـأنـهـا تـتـبـرد
تــدعــيــه فـــهــل بـــأمــرك يـــجــري
فــــي عـــروق الأشــجـار أو يـتـجـعد
كــان مــن قـبـل أن تـجيء وتـمضي
وهــو بـاق فـي الأرض لـلجزر والـمد
ألـــك الـحـقـل هـــذه الـنـحـل تـجـي
الــشــهـد مـــــن زهــــرة ولا تــتــردد
وأرى لــلــنــمــال مـــلـــكــا كـــبـــيــرا
قــــد بــنـتـه بــالـكـدح فــيـه وبـالـكـد
أنت في شرعها دخيل على الحقل
ولـــــص جـــنــى عـلـيـهـا فــأفـسـد
لــو مـلكت الـحقول فـي الأرض طـرا
لـم تـكن مـن فـراشة الـحقل أسعد
أجـمـيل مــا أنــت أبـهى مـن الـوردة
ذات الـــشـــذى ولا أنــــــت أجــــــود
أم عـزيز و لـلبعوضة من خديك قوت
وفـــــــــــي يــــــديـــــك الـــمـــهــنــد
أم غـــنــي هــيـهـات تــخـتـال لــــولا
دودة الــــقـــز بــالــحــبـاء الــمــبــجـد
أم قــوي إذن مــر الـنـوم إذ يـغـشاك
والــلــيــل عــــــن جــفــونــك يـــرتـــد
وامــنـع الـشـيـب أن يــلـم بـفـوديـك
ومــــر تـلـبـث الـنـضـارة فـــي الــخـد
أعـليم فـما الـخيال الذي يطرق ليلا
فــــــــــــي أي دنــــــيــــــا يــــــولــــــد
مـــا الـحـيـاة الــتـي تـبـيـن وتـخـفى
مــــا الــزمــان الـــذي يـــذم ويـحـمـد
أيـهـا الـطين لـست أنـقى وأسـمى
مـــــن تـــــراب تــــدوس أو تــتـوسـد
ســـدت أو لـــم تـسـد فـمـا أنــت إلا
حـــــيــــوان مـــســـيــر مــســتــعـبـد
إن قــصـرا سـمـكـته ســـوف يــنـدك
وثـــوبـــا حــبــكـتـه ســــــوف يــنــقـد
لا يــكــن لـلـخـصـام قــلـبـك مــــأوى
إن قــلـبـي لــلـحـب أصــبــح مــعـبـد
أنـــا أولـــى بـالـحـب مــنـك وأحـــرى
مــــن كــســاء يـبـلـى ومـــال يـنـفـد
قصيدة: أقبل العيدُ
أقبل العيدُ ولكن ليس في الناسِ المسرّه
لا أرى إلاّ وُجوهاً كالحاتٍ مُكفهِرّه
كالرّكايا لم تدع فيها يدُ الماتحِ قطره
أو كمثلِ الرّوضِ لم تترك به النكباءُ زهره
وعيوناً دنقت فيها الأماني المُستحِرّه
فهيَ حيرى ذاهلاتٌ في الذي تهوى وتكره
وخدوداً باهتاتٍ قد كساها الهمُّ صُفره
وشفاهاً تحذرُ الضحك كأنّ الضحك جمره
ليس للقومِ حديثٌ غير شكوى مستمرّه
قد تساوى عندهُم لليأسِ نفعٌ ومضرّه
لا تسل ماذا عراهُم كلُّهم يجهل أمره
حائرٌ كالطائرِ الخائفِ قد ضيّع وكره
فوقهُ البازيُّ والأشراكُ في نجدٍ وحُفره
فهو إن حطّ إلى الغبراءِ شكّ السهمُ صدره
وإذا ما طار لاقى قشعم الجوِّ وصقره
كلُّهم يبكي على الأمسِ ويخشى شرّ بُكره
فهمُ مثل عجوزٍ فقدت في البحرِ إبره
أيّها الشاكي الليالي إنّما الغبطةُ فِكره
ربّما استوطنتِ الكوخ وما في الكوخِ كِسره
وخلت منها القصورُ العالياتُ المُشمخِرّه
تلمسُ الغصن المُعرّى فإذا في الغصنِ نُضره
وإذا رفّت على القفرِ استوى ماءً وخُضره
وإذا مسّت حصاةً صقلتها فهيَ دُرّه
لك ما دامت لك الأرضُ وما فوق المجرّه
فإذا ضيّعتها فالكونُ لا يعدِلُ ذرّه
أيُّها الباكي رويداً لا يسدُّ الدمعُ ثغره
أيُّها العابسُ لن تُعطى على التقطيبِ أُجره
لا تكن مُرّاً ولا تجعل حياة الغيرِ مُرّه
إنّ من يبكي لهُ حوْلٌ على الضحكِ وقُدره
فتهلّل وترنّم فالفتى العابسُ صخره
سكن الدهرُ وحانت غفلةٌ منهُ وغِرّه
إنّهُ العيدُ وإنّ العيد مثل العُرسِ مرّه
اقرأ أيضًا: أزف الرحيل وحان أن نتفرقا – إيليا أبو ماضي