ثلاثية نجيب محفوظ، هذه التحفة الأدبية التي حفرت اسمها في ذاكرة الأدب العربي والعالمي، هي أكثر من مجرد رواية. إنها ملحمة اجتماعية وتاريخية ترصد تحولات المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين، وتتعمق في أعماق النفس البشرية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول الهوية والانتماء والتغيير.
تلخيص ثلاثية نجيب محفوظ
تدور أحداث الثلاثية في قلب القاهرة التاريخية، وتتبع قصة عائلة مصرية من الطبقة الوسطى، بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. تركز الروايات على تحولات المجتمع المصري خلال هذه الفترة الزمنية المضطربة، والتي شهدت العديد من الأحداث الهامة مثل ثورة 1919، والصراع بين القيم التقليدية والقيم الحديثة.
تتكون الثلاثية من ثلاث روايات هي:
- بين القصرين: ترصد هذه الرواية طفولة وشباب كمال، بطل الرواية، في أحياء القاهرة القديمة. تتناول الرواية التناقضات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتصور صراعات الأجيال وتأثير التراث على الحاضر.
- قصر الشوق: تستمر هذه الرواية في تتبع حياة كمال وعائلته، وتصور التحولات التي طرأت على المجتمع المصري بعد ثورة 1919. تتناول الرواية مواضيع مثل التعليم والمرأة والسياسة، وتسلط الضوء على التصادم بين القيم التقليدية والحداثة.
- السكرية: تختتم هذه الرواية الثلاثية، وتصور كمال في مرحلة النضج، وهو يحاول التوفيق بين طموحاته الشخصية والتزاماته الاجتماعية. تتناول الرواية مواضيع مثل الزواج والحب والصداقة، وتستكشف معنى الحياة والمعنى.
اقرأ أيضًا: أقوال نجيب محفوظ.
تلخيص رواية بين القصرين
بين القصرين هو الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ، نشرت عام 1956م. تحكي الرواية قصة أسرة من الطبقة الوسطى، تعيش في حي شعبي من أحياء القاهرة في فترة ما قبل وأثناء ثورة 1919م. يحكمها أب متزمت ذو شخصية قوية هو السيد أحمد عبد الجواد. ويعيش في كنف الأب كل من: زوجته أمينة وأبنه البكر ياسين وأبنه فهمي وأبنه كمال إضافة إلى ابنتيه خديجة وعائشة.
تبدأ أحداث الرواية بخروج ذكور الأسرة إلى أعمالهم ومدارسهم في الصباح، إذ تأتي للسيد أحمد عبد الجواد في دُكانه ضيفة غير معتادة هي العالمة ”زبيدة“، فيتغازلُ معها ويزورها في بيتها مساءً محاولاً التقرب منها، ويحضر عندها مع عدد من أصدقائه حفلة ليلية تنتهي بـ زفهما معاً.
في هذه الأثناء، يخرج ياسين (الابن الأكبر) إلى سهرة تخصه يراقب فيها من بعيد بيت «زنوبة العوادة»، وهي ابنة العالمة زبيدة. يصل لياسين خبر بأن والدته (وهي زوجة أحمد عبد الجواد الأولى) مُشرفة على الزواج لمرة جديدة بعد زيجات كثيرة فاشلة، ويُقرر ياسين أن يلتقي بها لأول مرة منذ سنين ليحاول أن يثنيها عن هذه الخطوة، معللاً ذلك بما سوف تجلبه من عار إلى سمعته بين أقرانه، على أن والدته ترفض رجاءه متألمة من عدم اكتراثه بسعادتها.
في المساء، يخبر الأخ الأوسط فهمي والدته برغبته بخطبة ابنة الجيران ”مريم“ التي تكبره بعامين، لكن السيد يرفض الفكرة رفضاً قاطعاً بل ويشكك بأن ابنه يراقب بنت الجيران، وهو أمر غير مقبول بالنسبة له. في اليوم التالي، تصل سيدات غريبات إلى المنزل ليطلبن يد البنت الصغرى عائشة، لكن السيد يرفض هذه الزيجة كذلك رفضاً قاطعاً ونهائياً على اعتبار أن الأخت الصغرى لا تتزوج قبل الكبرى وهي خديجة.
تلخيص رواية قصر الشوق
قصر الشوق هي الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ، نشرت عام 1957م. تحكي الرواية قصة حياة أسرة السيد أحمد عبد الجواد في منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمي في أحداث ثورة 1919م، وينمو الابن الأصغر كمال ويرفض أن يدخل كلية الحقوق مفضلاً المعلمين لشغفه بالآداب والعلوم والفلسفة وحبه وأصدقاءه، وكذلك تتحدث الرواية عن حياة نجلتي السيد أحمد وأزواجهم وعلاقتهم ببعض وزواج ياسين وانتقاله إلى بيته الذي ورثه من أمه في قصر الشوق وتنتهي أحداث القصة بوفاة سعد زغلول.
تبدأ أحداث الرواية بعد مرور خمس سنوات على نهاية بين القصرين (وهي الجزء الأول في الثلاثية). تغير السيد أحمد عبد الجواد إثر موت ابنه الأكبر فهمي قبل تلك السنوات، إذ فقد جل اهتمامه مؤقتاً على الأقل بملذات الحيات من سُكر وعربدة، كما أنه غير أسلوبه في التعامل مع عائلاته فخفف من قبضته الحديدية عليهم ومنح زوجته وأولاده حرية واستقلالية.
وكان وقع موت ابنهما أكبر في نفسه زوجته أمينة، إذ أصبح الحزن همها الشاغل، وأمست تشعر بأنها وحيدة (هي وخديجة) في اهتمامهما بالميت وبأن سائر أفراد عائلتها قد مضوا في شواغل حياتهم دون مبالاة.
يقع ياسين في حب جارته مريم، التي أراد الزواج منها أخوه المتوفى فهمي لولا أن والدهما منعه، والتي طُلقت من زوجها مؤخراً فعادت تسكن في بيت أمها الأرملة بهيجة أم مريم. وأما كمال فقد أصبح له أصدقاء أثرياء من أهل حي العباسية الراقي، وأقربهم هو حسين شداد الذي تمتلك عائلته قصراً يدعو إليه كمال وصديقيه حسن سليم وإسماعيل لطيف.
وفي هذه الجلسات يلتقي كمال بالفتاة التي يقع في غرامها، وهي عايدة شداد أخت صديقه المقرب حسين التي تتساهل بالظهور أمام أصدقاء أخيها والمزاح معهم. وأما خديجة وعائشة فقد أنجبا أولاداً (أحمد وعبد المنعم لخديجة، ومحمد ونعيمة وعثمان لعائشة)، وتستقل خديجة بمطبخها وسطح بيتها عن حماتها أم شوكت بسبب مشاجراتهما المستمرة، وأما عائشة فتعيش بسلام معهم في البيت نفسه.
تلخيص رواية السكرية
السكرية هي الجزء الثالث من ثلاثية نجيب محفوظ، نشرت عام 1957م. السكرية هو اسم حي في القاهرة، وهو الحي الذي تدور فيه معظم أحداث الرواية، وتبدأ أحداث هذا الجزء بعد نهاية أحداث الجزء السابق بثمانية أعوام كاملة أي في عام 1934، وتنتهي في عام 1943.
يبدأ هذا الجزء بداية حزينة، كالنهاية التي انتهى بها السابق. يتوفى أبنا عائشة وزوجها متأثرين بمرض التيفوئيد. ويتبدل حال عائشة، التي كانت آية في الحسن والجمال، إلى امرأة شاحبة البشرة، غائرة العينين، خامدة النظرة، تدخن بشراهة، وتشرب القهوة بلا توقف، ولم يبق لها سوى ابنتها نعيمة ذات الستة عشر عامًا. في هذا الجزء يتبدل الأبطال، حيث يتبوأ أطفال الجزء الماضي مكان الصدارة في هذا الجزء كشبان نضجوا وأصبحت لكل منهم أهواؤه ومشاربه.
عبد المنعم: هو الابن الأكبر لخديجة ابنة السيد أحمد عبد الجواد. يحصل عبد المنعم على شهادة البكالوريا من القسم الأدبي، ويدخل كلية الحقوق. ومنذ بداية الجزء، نرى أن عبد المنعم اختار لنفسه طريق الإيمان الصادق، فهو ملتزم بالصلاة، حريص على قراءة الكتب الدينية، حتى أنه قد انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وأطلق لحيته.
وبالرغم من ذلك، فقد وقع عبد المنعم في حب جارته، وهي فتاة لم تتجاوز الرابعة عشرة، حيث كانا يلتقيان في الظلام فينسى كل دروس الدين التي سمعها.
بعد ذلك يتواصل نشاط عبد المنعم مع جماعة الإخوان المسلمين، فيؤمن من كل قلبه بمبادئها، ويُعيّن مستشارا قانونيا لشعبة الجمالية، ويبدأ بعقد اجتماعات للجماعة في الطابق الخاص بسكناه، ولكن سرعان ما ينكشف أمره، فيداهم البوليس بيته ويعتقله رغم كل توسلات خديجة للمأمور بترك ابنها وشأنه.
أحمد: على العكس تمامًا من عبد المنعم، يعتنق أحمد الفكر الشيوعي في نهاية المرحلة المدرسية. ورغم أن أمه قد ربته على الصلاة منذ الصغر، إلا أنه يقرر التوقف عن أدائها عند بلوغه الخامسة عشرة. وأثناء دراسته في كلية الآداب، يبدأ بنشر مقالات في مجلة (الإنسان الجديد)، وهي مجلة اشتراكية بامتياز.
ويتعرف على علوية صبري، طالبة بنفس كليته، ويتصادقان زمنا، ثم يفاتحها برغبته في الزواج. وبعد مماطلة من طرفها، وإلحاح من طرفه، تفاجئه بتصريحها أنها ترغب في الزواج من رجل غني، يضمن لها الحفاظ على مستواها المعيشي، وبذلك تطوى صفحة علوية صبري من حياته.
بعد تخرجه يقرر أحمد العمل في الصحافة، على الرغم من معارضة والديه، ويعده رئيس تحرير مجلة (الإنسان الجديد) بتعيينه مترجمًا أولا على سبيل التدريب ثم محررًا. وفي عمله الجديد يتعرف على سوسن حماد، المحررة في المجلة.
ورغم جمالها المحدود وجديتها المفرطة وإغراقها في السياسة، ورغم كونها أدنى منه اجتماعياً بالإضافة إلى أنها تكبره بسنوات فإنها تنجح في الفوز بحبه ويتزوجان، على الرغم من أن أمه تثير عاصفة من الاحتجاج، ويسكنان في الدور الأول في نفس بيت والده.
رضوان: هو ابن ياسين من زوجته السابقة زينب. تربى فترة في حضن جده محمد عفت، ثم ما إن تزوج ياسين من زنوبة حتى استرجع ابنه ليعيش معه. لكن زنوبة رغم أنها لم تسئ يومًا معاملة رضوان فإنها كذلك لم تحبه، ولا هو أحبها. وكانت زنوبة ترحب ترحيبًا خفيًا بكل ما يبعده عن بيتها ولو لحين، فكان يبيت أحيانًا عند أمه، أو عند جده، أو عند صديقه حلمي عزت.
وقد دخل رضوان كلية الحقوق مع ابن عمته عبد المنعم، لكنه لم يتشجع يومًا أن يتخذ من عمته أو أبنائها أصدقاء له. وللأسف يجره صديقه حلمي إلى طريق الشذوذ، فيعرفه على عجوز شاذ ذو منصب مهم يدعى عبد الرحيم عيسى، فيهتم به الأخير ويوظفه بعد تخرجه سكرتيرًا للوزير.
كمال: في هذا الجزء من الثلاثية تتجلى معاناة كمال وحيرته وتخبطه.. لا يعرف من هو؟ ماذا يريد؟ ما الحقيقة؟ ما القيم؟ ما السعادة؟ أي فلسفة ينتمي إليها؟ لماذا يحرك رأسه مرتابا بعد أن ينتهي من دراسة كل مذهب فلسفي؟ لماذا يهرب من الزواج رغم بلوغه الثامنة والعشرين، ورغم أنه أصبح مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة السلحدار الابتدائية؟
وفي لقاءاته المتكررة مع صديقه إسماعيل لطيف كان يفصح أحيانًا عن حيرته، لكنه لم يكن يجد جوابًا مقنعًا عند إسماعيل الذي كان متزوجًا سعيدًا بحياته مع زوجته وأطفاله، فيستمر في قضاء لياليه بين الخمر والمومسات.
ثم في أحد لقاءاتهما، يخبره إسماعيل أن أسرة شداد التي تنتمي لها حبيبته السابقة عايدة قد انتهى أمرها، حيث أفلس الأب وانتحر، وبيع القصر وانتقلت الأسرة للعيش في شقة متواضعة في العباسية. ويداوم كمال على نشر مقالاته الفلسفية في مجلة الفكر، التي كان موضعها الأرضي وأثاثها الرث يذكرانه بمكانة الفكر في بلده.
وفي المجلة يتعرف على رياض قلدس المترجم بوزارة المعارف، والذي ينشر في المجلة قصصًا قصيرة فتنشأ بينهما صداقة حميمة عوضته عن فقد صديقه حسين شداد، شقيق عايدة، الذي هاجر إلى فرنسا.
بعد ذلك بعدة سنوات هذه السنوات التي توفي والده خلالها يلتقي صدفة بـ بدور. وبدور هي الشقيقة الصغرى لعايدة، والتي كانت قبل سبعة عشر عامًا طفلة يجلسها كمال على ركبتيه عندما يزور أخاها. ويبدأ بملاحقتها وحضور المحاضرات في الجامعة مستمعا متعللا بأنه يقوم ببحث يستدعي متابعة هذه المحاضرات. ثم صار يزور الحي الذي تسكن فيه بدور يوميًا فيجدها جالسة على الشرفة ويتبادلان الابتسام.
وتعود الهواجس لتلعب برأس كمال.. هل يتقدم لخطبة بدور؟ إنها لن ترفضه كما رفضته شقيقتها من قبل فهم الآن فقراء.. وهي تبدو مستجيبة ملبية رغم فارق السن. لكن أكثر ما كان يخيفه هو أنه يعتبر الزواج سجنا، وأنه إذا تزوج فلن يعود له من هم سوى الكفاح المرير في سبيل الرزق ليؤمن حياة الأسرة والأبناء، وستتراكم عليه المشاغل وهو لا يطيق هذه الحياة.
وتيأس بدور من تردده فتقرر حسم الموقف بنفسها، فتنتظره مرة على الشرفة بملابس الخروج، ثم ما إن يتبادلا الابتسامة المعتادة حتى تتوجه إليه رأسا، ويسيران جنبا إلى جنب كأنها تمنحه الفرصة الأخيرة للتقدم. لكن كمال يتردد، ويبرر تردده لنفسه بأن من تسعى إليه فهي ليست فتاة أحلامه، ويفترقان دون كلام.
بعدها تتوالى المصادفات المثيرة في حياة كمال.. يصادف بدور مرة متأبطة ذراع شاب وإصبع يدها اليمنى يتزين بخاتم ذهبي.. ثم يقابل صديقه حسين شداد الذي لم يره منذ سبعة عشر عامًا.. ويحمل الأخير في جعبته أخبارًا مذهلة عن عايدة.. فيعلم كمال أنها طُلقت من زوجها، ثم تزوجت بعده رجلا متزوجا، ثم توفيت.