نص قصيدة: لولا اشتعال النار فيما جاورت
الشاعر: أبو تمام
أرأيت أيُ سوالِفٍ وخدودِ
عنّت لنا بين اللِوى فزرودِ
أترابُ غافِلةِ الليالي ألّفت
عُقد الهوى في يا رقِ وعُقودِ
بيضاءُ يصرعُها الصِبا عبث الصبا
أُصلاً بِخوطِ البانةِ الأُملودِ
وحشيةٌ ترمي القُلوب إذا اِغتدت
وسنى فما تصطادُ غير الصيدِ
لا حزم عِند مُجرِبٍ فيها ولا
جبار قومٍ عِندها بِعنيدِ
مالي بِربعٍ مِنهُمُ معهودُ
إلّا الأسى وعزيمةُ المجلودِ
إن كان مسعودٌ سقى أطلالهُم
سبل الشؤونِ فلستُ مِن مسعودِ
ظعنوا فكان بُكايَ حولاً بعدهُم
ثُم اِرعويتُ وذاك حكمُ لبيدِ
أجدِر بِجِمرةِ لوعةٍ إطفاؤُها
بِالدمعِ أن تزداد طول وُقودِ
لا أُفقِر الطرب القِلاص ولا أُرى
مع زيرِ نِسوانٍ أشدُّ قُتودي
شوقٌ ضرحتُ قذاتهُ عن مشربي
وهوىً أطرتُ لِحاءهُ عن عودي
عامي وعامُ العيسِ بين وديقةٍ
مسجورةٍ وتنوفةٍ صيخودِ
حتّى أُغادِر كُلّ يومٍ بِالفلا
لِلطيرِ عيداً مِن بناتِ العيدِ
هيهات مِنها روضةٌ محمودةٌ
حتّى تُناخ بِأحمد المحمودِ
بِمُعرسِ العربِ الّذي وجدت بِهِ
أمن المروعِ ونجدة المنجودِ
حلّت عُرا أثقالِها وهُمومها
أبناءُ إسماعيل فيهِ وهودِ
أملٌ أناخ بِهِم وُفوداً فاِغتدوا
مِن عِندِهُ وهُمُ مُناخ وُفودِ
بدأ الندى وأعادهُ فيهِم وكم
مِن مُبدِئٍ لِلعُرفِ غير مُعيدِ
يا أحمد بن أبي دوادٍ حطتني
بِحياطتي ولددتني بِلدودي
ومنحتني وُدّاً حميتُ ذِمارهُ
وذِمامهُ مِن هِجرةٍ وصدودِ
ولكم عدوٍّ قال لي مُتمثِّلاً
كم مِن ودودٍ ليس بِالمودودِ
أضجت إيادٌ في معدٍّ كُلِّها
وهُمُ إيادُ بِنائِها الممدودِ
تنميك في قُللِ المكارِمِ والعُلى
زُهرٌ لِزُهرِ أُبوّةٍ وجدودِ
إن كُنتُمُ عادي ذاك النبعِ إن
نسبوا وفلقة ذلِك الجلمودِ
وشرِكتُموهُم دوننا فلأنتُمُ
شركاؤُنا مِن دونِهِم في الجودِ
كعبٌ وحاتمٌ اللذانِ تقسما
خطط العُلى مِن طارِفٍ وتليدِ
هذا الّذي خلف السحاب ومات ذا
في المجدِ ميتة خِضرِمٍ صِنديدِ
إلّا يكُن فيها الشهيد فقومُهُ
لا يسمحون بِهِ بِألفِ شهيدِ
ما قاسيا في المجدِ إلّا دون ما
قاسيتهُ في العدلِ والتوحيدِ
فاِسمع مقالة زائِرٍ لم تشتبِه
اراؤُهُ عِند اِشتِباهِ البيدِ
يستامُ بعض القولِ مِنك بِفِعلِهِ
كملاً وعفو رِضاك بِالمجهودِ
أسرى طريداً لِلحياءِ مِن الّتي
زعموا وليس لِرهبةٍ بِطريدِ
كُنت الربيع أمامهُ ووراءهُ
قمر القبائِلِ خالِدِ بنِ يزيدِ
فالغيثُ مِن زُهرٍ سحابةُ رأفةٍ
والركنُ مِن شيبان طودُ حديدِ
وغداً تبينُ ما براءةُ ساحتي
لو قد نفضت تهائِمي ونُجودي
هذا الوليدُ رأى التثبُت بعدما
قالوا يزيدُ بنُ المُهلّبِ مودِ
فتزعزع الزور المُؤسسُ عِندهُ
وبِناءُ هذا الإفكِ غير مشيدِ
وتمكّن اِبنُ أبي سعيدٍ مِن حِجا
ملِكٍ بِشكرِ بني المُلوكِ سعيدِ
ما خالِدٌ لي دون أيوبٍ ولا
عبدُ العزيزِ ولستُ دون وليدِ
نفسي فِداؤُك أي بابٍ مُلِمةٍ
لم يُرم فيهِ إليك بِالإقليدِ
لِمُقارِفِ البُهتانِ غير مُقارِفٍ
ومِن البعيدِ الرهطِ غير بعيدِ
لما أظلّتني غمامُك أصبحت
تِلك الشهودُ علي وهيَ شهودي
مِن بعدِ أن ظنّوا بِأن سيَكونُ لي
يومٌ بِبغيِهِم كيَومِ عبيدِ
أُمنيةٌ ما صادفوا شيطانها
فيها بِعِفريتٍ ولا بِمريدِ
نزعوا بِسهمِ قطيعةٍ يهفو بِهِ
ريش العُقوقِ فكان غير سديدِ
وإذا أراد اللهُ نشر فضيلةٍ
طويَت أتاح لها لِسان حسودِ
لولا اِشتِعال النارِ فيما جاورت
ما كان يُعرف طيبُ عرفِ العودِ
لولا التخوُّف لِلعواقِبِ لم تزل
لِلحاسِدِ النُعمى على المحسودِ
خذها مُثقّفة القوافي ربُها
لِسوابِغِ النعماءِ غير كنودِ
حذّاءُ تملأُ كُلّ أُذنٍ حِكمةً
وبلاغةً وتُدرُ كُلّ وريدِ
كالطعنةِ النجلاءِ مِن يدِ ثائِرٍ
بِأخيهِ أو كالضربةِ الأُخدودِ
كالدُرِ والمرجانِ أُلِّف نظمُهُ
بِالشذرِ في عُنُقِ الفتاةِ الرودِ
كشقيقةِ البُردِ المُنمنمِ وشيُهُ
في أرضِ مهرة أو بِلادِ تزيدِ
يُعطي بِها البُشرى الكريمُ ويَحتبي
بِرِدائِها في المحفلِ المشهودِ
بُشرى الغنيِ أبي البناتِ تتابعت
بُشراؤُهُ بِالفارِسِ المولودِ
كرقى الأساوِدِ والأراقِمِ طالما
نزعت حمات سخائِمٍ وحقودِ
شرح البيت الشعري: لولا اشتعال النار فيما جاورت
البيت الشعري "لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود" للشاعر أبي تمام، وهو بيت مشهور يُستخدم في عدة سياقات.
يقول الشاعر في هذا البيت أن طيب عرف العود لا يظهر إلا عندما تشتعل النار فيه. والمعنى أن الطيب والحسن والجمال لا يظهران إلا عندما يتعرضان للامتحان والاختبار. فمثلما لا يظهر طيب عرف العود إلا عندما يحترق، كذلك لا يظهر طيب الأخلاق والصفات إلا عندما يتعرض الإنسان للابتلاءات والشدائد.
ويمكن أن يُفسَّر البيت الشعري على عدة مستويات:
- على المستوى الشخصي، يمكن أن يُفسَّر البيت على أنه يدعو إلى الصبر والتحمل في مواجهة الشدائد والمحن. فعندما يتعرض الإنسان للابتلاءات، فإن ذلك اختبار له، فإن صبر وتحمله يكشفان عن طيب أخلاقه وحسن صفاته.
- على المستوى الاجتماعي، يمكن أن يُفسَّر البيت على أنه يدعو إلى تقدير الطيب والحسن والجمال في الناس، حتى وإن كان هذا الطيب والحسن لا يظهر إلا في المواقف الصعبة.
- على المستوى الكوني، يمكن أن يُفسَّر البيت على أنه يدعو إلى الإيمان بحكمة الله ورحمته. فالله تعالى يُظهر طيب الأخلاق والصفات في الناس، حتى وإن كان ذلك في الشدائد والمحن، وذلك ليُظهر عظمته ورحمته.
وعلى أي حال، فإن البيت الشعري "لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود" هو بيت بليغة يُعبر عن حقيقة عميقة، وهي أن الطيب والحسن والجمال لا يظهران إلا عندما يتعرضان للاختبار والامتحان.
وهكذا، فإن الشاعر يشير إلى أن النار التي تشعل العود، هي في الحقيقة سبب في ظهور طيب عرف العود، كما أن البلاء والابتلاء الذي يتعرض له الإنسان الصالح، هو في الحقيقة سبب في ظهور صلاحه وإيمانه وأخلاقه الحميدة.