الذكر هو لُب العبادة، وهو مفتاح السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. إن تلاوة القرآن الكريم، والأذكار الصباحية والمسائية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، وغيرها من الأذكار، هي من أعظم العبادات التي تقرب العبد من ربه.
إن الذكر من أفضل الأعمال الصالحة واليسيرة التي تقرب المسلم إلى ربه جل وعلا. وقد حثنا ديننا الإسلامي على دوام الذكر في كل حال، وقد ورد فضل الذكر في الكثير من آيات القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وفي ما يلي سنذكر لكم فضل وآداب وفوائد الذكر.
فضل الذكر
أمر الله تعالى عباده بذكره، وحثهم على الذكر ورغبهم فيه، ورتَّب عليه الثوابَ العظيم، فقال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}[البقرة: 152].
- وقال تعالى: {يا أيها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا}[الأحزاب: 41].
- وقال تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}[الأحزاب: 35].
- وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}[الأعراف: 205].
- وقال تعالى: {الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}[الرعد: 28].
- وقال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}[العنكبوت: 45]
- وقال تعالى: {يا أيها الذين امنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}[المنافقون: 9].
- وقال تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}[آل عمران: 191].
اقرأ أيضًا: أدعية ثلث الليل: أفضل دعاء في جوف الليل.
وفضائل الذكر كثيرة، وثوابه عند الله عظيم، فالذكر حياة للعبد يشعر من خلاله عظمة الله تعالى، ويحافظ على اتصال بربه عز وجل، ويذكر بعظيم حقه سبحانه، وهذا ما يمنح العبد السعادة والطمأنينة والخير الكثير، وقد وردت أحاديث ثابتة كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل الذكر والحث عليه والترغيب فيه، وإليك بعضًا منها:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت)[البخاري].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)، قالوا بلى. قال: (ذكر الله تعالى)[الترمذي].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)[البخاري ومسلم].
- وعن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام كثرت علي، فأنبئني بأمر أتشبث به، قال: (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل)[الترمذي].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)[الترمذي].
- وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: (أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟) فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. قال: (أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)[مسلم].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة)[أبو داود].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم)[الترمذي].
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة)[أبو داود].
- مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على مجموعة من أصحابه، فقال لهم: (ما أجلسكم؟) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال صلى الله عليه وسلم: (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة)[مسلم].
اقرأ أيضًا: دعاء الرزق بالذرية الصالحة.
آداب الذكر
لا شك أن لذكر الله تعالى آداباً ينبغي للذاكر أن يتحلى بها، ومن آداب الذكر ما يلي:
- الإخلاص لله تعالى: إذ هو الشرط الأول لقبول الأعمال، قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}[البينة: 5].
- السكينة والخشوع: قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون}[الأنفال: 2].
- استشعار عظمة الله -جل وعلا، ومهابته في القلب: قال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[الحج: 32]. وقال الله تعالى: {وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}[الحج: 34، 35].
- استقبال القبلة: وذلك أدعى وأرجى لقبول الله للذكر، ولا مانع من ذكر الله على أية حال.
- أن يذكر الله على طهارة: (وهذا مستحب) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال على طهارة)[أبو داود].
- ذكر الله في كل وقت: قال تعالى: {واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشي والإبكار}[آل عمران: 41]، وقال تعالى: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً}[الإنسان: 25].
- خفض الصوت بالذكر وعدم الجهر به جهراً بليغاً: قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول...}[الأعراف:205]
- ذكر الله في السرَّاء والضرَّاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاءُ صبر فكان خيرًا له)[مسلم].
اقرأ أيضًا: أدعية الأنبياء.
فوائد الذكر
ذكر ابن القيم أن للذكر أكثر من مائة فائدة، وذكر منها:
- أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
- أنه يرضي الرحمن عز وجل.
- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
- أنه يقوى القلب والبدن.
- أنه ينور الوجه والقلب.
- أنه يجلب الرزق.
- أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
- أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.
- أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة.
- أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
- أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده منه.
- أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة.
- أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله، لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
- أنه يورثه ذكر الله تعالى له كم قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
- أنه يورث حياة القلب.
- أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
- أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته.
- أنه يورث جلاء القلب من صداه كما تقدم في الحديث، وكل شيء له صدأ، وصدأ القلب الغفلة والهوى، وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار.
- أنه يحط الخطايا ويذهبها. فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
- أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
- أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، فإن الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة لا تزول إلا بالذكر.
- أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده يذكر بصاحبه عند الشدة، فقد روى الإمام أحمد في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما تذكرون من جلال الله عز وجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن يكون له – أو لا يزالُ له – من يذكر به؟). هذا الحديث أو معناه.
- أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشده، وقد جاء أثر معناه أن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدة أو سأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة: يا رب صوت معروف، من عبد معروف، والغافل المعرض عن الله عز وجل إذا دعاه وسأله قالت الملائكة: يا رب، صوت منكر، من عبد منكر.
- أنه ينجي من عذاب الله تعالى، كما قال معاذ -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى)[الترمذي].
- أنه سبب تنزيل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
- أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل. فإن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى.
- أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة ومجالس الشياطين. فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
- أنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أين ما كان. والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مجالسه.
- أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة. فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة.
- أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه، والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف. وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل.
- أن الاشتعال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال سبحانه وتعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).