الزير سالم أبو ليلى المهلهل، شخصية تاريخية وشاعر جاهلي من أبرز فرسان العرب وشعرائهم في العصر الجاهلي. اشتهر بشعره الذي يحمل في طياته القوة والعزيمة والروح الثأرية، إذ قضى معظم حياته في حرب البسوس انتقاماً لمقتل أخيه كليب. يعتبر شعره انعكاساً صادقاً لروح الفروسية والشجاعة التي كانت سائدة في ذلك الوقت. تميزت قصائده بالبلاغة وقوة الصور الشعرية، مما جعله واحداً من أعلام الشعر العربي القديم. في هذا المقال، سنستعرض أجمل قصائد الزير سالم التي خلّدت ذكره في تاريخ الأدب العربي، ونغوص في معانيها العميقة وقيمها البطولية.
شعر الزير سالم في رثاء أخيه كليب
بعد مقتل كليب، نظم الزير سالم عدة قصائد يعبّر فيها عن حزنه وغضبه ورغبته في الانتقام. ومن أشهر الأشعار التي رثى بها أخاه كليب:
قصيدة: كليب لا خير في الدنيا ومن فيها
كُليْبُ لا خيْر في الدُّنيا ومن فيها
إن أنت خليتها في من يخليها
كُليْبُ أيُّ فتى عِزٍّ ومكرُمةٍ
تحت السفاسفِ إذ يعلوك سافيها
نعى النعاةُ كليباً لي فقلتُ لهم
مادت بنا الأرضُ أم مادت رواسيها
ليْت السّماء على من تحتها وقعت
وَحالتِ الأرضُ فانجابت بِمن فيها
أضحت منازلُ بالسلانِ قد درست
تبكي كليباً ولم تفزع أقاصيها
الحزمُ والعزمُ كانا مِن صنيعتِهِ
ما كلّ آلائهِ يا قومُ أحصيها
القائدُ الخيل تردي في أعنتها
زهواً إذا الخيْلُ بُحّت في تعاديها
النّاحِرُ الكوم ما ينفكُّ يُطعِمُها
والواهِبُ المِئة الحمرا بِراعيها
من خيلِ تغلب ما تلقى أسنتها
إلاّ وقد خضّبتها مِن أعاديها
قد كان يصحبها شعواء مشعلةً
تحت العجاجةِ معقوداً نواصيها
تكونُ أولها في حينِ كرتها
وَأنت بالكرّ يوم الكرّ حاميها
حتّى تُكسِّر شزراً في نُحورِهِمِ
زرق الأسنةِ إذ تروى صواديها
أمست وقد أوحشت جردٌ ببلقعةٍ
للوحشِ منها مقيلٌ في مراعيها
ينفرن عن أمّ هاماتِ الرجالِ بها
والحربُ يفترِسُ الأقران صاليها
يهزهون من الخطيَّ مدمجةٍ
كمتاً أنابيبها زرقاً عواليها
نرمي الرماح بأيدينا فنوردها
بيضاً ونُصدِرُها حُمراً أعاليها
يا ربّ يومٍ يكونُ الناسُ في رهجٍ
بهِ تراني على نفسي مكاويها
مستقدماً غصصاً للحربِ مقتحماً
ناراً أهيجها حيناً وأطفيها
لا أصلح الله مِنّا من يُصالِحُكُم
ما لاحتِ الشمسُ في أعلى مجاريها
قصيدة: لما نعى الناعي كليبا أظلمت
لما نعى الناعي كليباً أظلمت
شمسُ النهارِ فما تريدُ طلوعا
قتلوا كليباً ثم قالوا أرتعوا
كذبوا لقد منعوا الجياد رتوعا
كلاّ وأنصابٍ لنا عاديَّةٍ
معبودةٍ قد قُطِّعت تقطيعا
حتى أبيد قبيلةً وقبيلةً
وَقبيلةً وقبيلتينِ جميعا
وَتذوق حتفاً آلُ بكرٍ كُلُّها
وَنهُدٌ مِنها سمكها المرفوعا
حتّى نرى أوْصالهُم وجماجِماً
مِنهُم عليْها الخامِعاتُ وُقوعا
وَنرى سباع الطيرِ تنقرُ أعيناً
وَتجُرُّ أعضاءً لهُم وضُلوَعا
والمشرفيَّة لا تُعرِّجُ عنهُمُ
ضرباً يقُدُّ مغافِراً ودُروعا
والخيْل تقتحِمُ الغُبار عوابِساً
يوم الكريهةِ ما يردن رجوعا
قصيدة: أعيني جودا بالدموع السوافح
أعينيَّ جودا بِالدُموعِ السوافِحُ
على فارِسِ الفُرسانِ في كُلُّ صافِحِ
أعينيَّ إن تفنى الدُموعُ فأوكِفا
دِماً بِاِرفِضاضٍ عِند نوحِ النوائِحِ
ألا تبكيانِ المُرتجى عِند مشهدٍ
يُثيرُ مع الفُرسانِ نقع الأباطِحِ
عديّاً أخا المعروفِ في كُلِّ شتوَةٍ
وَفارِسها المرهوب عند التكافُحِ
رمتهُ بناتُ الدهرِ حتّى اِنتظتهُ
بِسهمِ المنايا إنّها شرُّ رائِحِ
وَقد كان يكفي كُلّ وغدٍ مواكِلٍ
وَيَحفظُ أسرار الخليلِ المُناصِحِ
كأن لم يكُن في الحِمى حيّاً ولم يرُح
إليهِ عُفاةُ الناسِ أوكُلُّ رابِحِ
وَلم يدعُهُ في النكبِ كُلُّ مُكبّلٍ
لِفكِ إسارٍ أودعا عِند صالِحِ
بكيتُك إن ينفع وما كُنتُ بِالّتي
ستسلوك يا اِبن الأكرمين الجحاجح
قصيدة: أهاج قذاء عيني الإذكار
أهاج قذاء عيْني الإذِّكارُ
هُدوّاً فالدُّموعُ لها انحِدارُ
وَصار اللّيْلُ مُشتمِلاً عليْنا
كأنّ الليل ليس لهُ نهارُ
وَبِتُّ أُراقِبُ الجوْزاء حتّى
تقارب من أوائلها انحدارُ
أُصرِّفُ مُقلتي في إثرِ قوْمٍ
تبايَنتِ البِلادُ بِهِم فغاروا
وَأبكي والنجومُ مطلعاتٌ
كأن لم تحوها عني البحارُ
على من لوْ نُعيت وكان حيّاً
لقاد الخيْل يحجُبُها الغُبارُ
دعوْتُك يا كُليْبُ فلم تُجِبني
وَكيف يجيبني البلدُ القفارُ
أجبني يا كليبُ خلاك ذمٌّ
ضنيناتُ النفوسِ لها مزارُ
أجبني يا كليبُ خلاك ذمُّ
لقد فجعت بفارسها نزارُ
سقاك الغيثُ إنك كنت غيثاً
وَيُسراً حين يُلتمسُ اليَسارُ
أبت عيْنايَ بعدك أن تكُفّا
كأنّ غضا القتادِ لها شِفارُ
وَإنك كنت تحلمُ عن رجالٍ
وَتعفو عنهمُ ولك اقتدارُ
وَتمنعُ أن يمسهمُ لسانٌ
مخافة من يجيرُ ولا يجارُ
وَكُنتُ أعُدُّ قُربي مِنك رِبحاً
إذا ما عدّتِ الرِّبح التِّجارُ
فلا تبعد فكلٌّ سوف يلقى
شعوباً يستديرُ بِها المدارُ
يَعيشُ المرءُ عِند بني أبيهِ
وَيوشكُ أن يصير بحيثُ صاروا
أرى طول الحياةِ وّقد تولى
كما قد يُسلبُ الشّيْءُ المُعارُ
كأنِّي إذ نعى النّاعي كُليْباً
تطاير بين جنبيَّ الشرارُ
فدرتُ وّقد عشيَ بصري عليهِ
كما دارت بشاربها العقارُ
سألتُ الحيَّ أين دفنتموهُ
فقالوا لي بِسفحِ الحيِّ دارُ
فسرتُ إليهِ من بلدي حثيثاً
وَطار النّوْمُ وامتنع القرارُ
وَحادت ناقتي عن ظِلِّ قبرٍ
ثوَى فيهِ المكارِمُ والفخارُ
لدى أوطانِ أروع لم يشنهُ
وَلم يحدُث لهُ في النّاسِ عارُ
أتغدوا يا كُليْبُ معي إذا ما
جبانُ القومِ أنجاهُ الفرارُ
أتغدوا يا كليب معي إذا ما
خلوق القوم يشحذُها الشفار
أقولُ لتغلبٍ والعزُّ فيها
أثيروها لذلكمُ انتصارُ
تتابع إخوتي ومضوا لأمرٍ
عليهِ تتابع القومُ الحسارُ
خذِ العهد الأكيد عليَّ عمري
بتركي كلّ ما حوتِ الديارُ
وَهجري الغانياتِ وشُرب كأسٍ
وَلُبسي جُبّةً لا تُستعارُ
وَلستُ بخالعٍ درعي وسيفي
إلى أن يخلع الليل النهارُ
وإلاّ أن تبيد سراةُ بكرٍ
فلا يبقى لها أبداً أثارُ
قصيدة: أن في الصدر من كليب شجونا
أن في الصدر من كُليْب شجونا
هاجِساتٍ كأن مِنهُ الجِراحا
أنكرتني حليلتي إذ رأتني
كاسف اللونِ لا أطيقُ المزاحا
وَلقد كُنتُ إذ أُرجِلُ رأسي
ما أبالي الإفساد والإصلاحا
بئس من عاش في الحياةِ شقيا
كاسف اللونِ هائماً ملتاحا
يا خليليَّ ناديا لي كُليْباً
واعلما أنهُ ملاقٍ كفاحا
يا خليليَّ ناديا لي كُليْباً
واعلما أنّهُ هائِماً مُلتاحا
يا خليليَّ ناديا لي كُليْباً
قبل أن تبصر العيون الصباحا
لم نر النّاس مِثلنا يوْم سِرنا
نسلبُ الملك غدوةً ورواحا
وَضربنا بِمُرهفاتٍ عِتاقٍ
تتركُ الهدم فوقهنّ صياحا
ترك الدّار ضيْفُنا وتوَلّى
عذر الله ضيْفنا يوْم راحا
ذهب الدهرُ بالسماحةِ منا
يا أذى الدهرِ كيف ترضى الجماحا
ويح أمي وويحها لقتيلٍ
مِن بني تغلِبٍ ووَيْحاً وواحا
يا قتيلاً نماهُ فرعٌ كريمٌ
فقدهُ قد أشاب مني المساحا
كيف أسلو عنِ البكاءِ وقومي
قد تفانوْا فكيْف أرجو الفلاحا
قصيدة: كنا نغار على العواتق أن ترى
كُنّا نغارُ على العواتِقِ أن تُرى
بالأمسِ خارجةً عنِ الأوطانِ
فخرجن حين ثوَى كُليْبٌ حُسّراً
مستيقناتٍ بعدهُ بهوانِ
فترى الكواعِب كالظِّباءِ عواطِلاً
إذ حان مصرعهُ من الأكفانِ
يَخمِشن مِن أدمِ الوُجوهِ حواسِراً
مِن بعدِهِ ويَعِدن بِالأزمانِ
مُتسلِّباتٍ نُكدهُنّ وقد ورى
أجوافهنّ بحرقةٍ ورواني
وَيقلن من للمستضيقِ إذا دعا
أم من لخضبِ عوالي المرانِ
أم لا تسارٍ بالجزورِ إذا غدا
ريحٌ يقطعُ معقد الأشطانِ
أم من لا سباقِ الدياتِ وجمعها
وَلِفادِحاتِ نوائِبِ الحِدثانِ
كان الذّخيرة لِلزّمانِ فقد أتى
فقدانهُ وأخلّ ركن مكاني
يا لهف نفسي مِن زمانٍ فاجِعِ
ألقى عليَّ بِكلكلٍ وجِرانِ
بمصيبةٍ لا تستقالُ جليلةٍ
غلبت عزاء القوْمِ وللشُّبان
هدّت حُصوناً كُنّ قبلُ ملاوِذاً
لِذوي الكُهولِ معاً والنِّسوانِ
أضحت وأضحى سورها من بعدهِ
متهدم الأركانِ والبنيانِ
فابكين سيِّد قوْمِهِ واندُبنهُ
شدت عليهِ قباطيَ الأكفانِ
وابكين للأيتامِ لما أقحطوا
وابكين عند تخاذلِ الجيرانِ
وابكين مصرع جيدهِ متزملاً
بِدِمائِهِ فلذاك ما أبكاني
فلأ ترُكنّ بِهِ قبائِل تغلِبٍ
قتلى بكلّ قرارةٍ ومكانِ
قتلى تعاورها النسورُ أكفها
ينهشنها وحواجلُ الغربانِ
شعر الزير سالم في الحرب
الزير سالم كان فارسًا وشاعرًا معروفًا في الجاهلية، وكانت أشعاره تعبر عن روح الفروسية والشجاعة، خصوصًا في الحرب التي قادها للثأر لمقتل أخيه كليب. كان شعره في الحرب قويًا ومليئًا بالحماسة والعزيمة، معبرًا عن رغبته العارمة في الانتقام والتصميم على النصر. من أبرز قصائده في الحروب:
قصيدة: يقول الزير أبو ليلى المهلهل
يقول الزير أبو ليلى المهلهل
وقلب الزير قاسي ما يلينا
وان لان الحديد ما لان قلبي
وقلبي من حديد القاسيينا
تريد أميه ان أصالح
وما تدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي
أبيت الليل مغموما حزينا
أبيت الليل أنعي كليبا
أقول لعله يأتي إلينا
أتتني بناته تبكي وتنعي
تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا
وخلانا يتامى قاصرينا
وأنت اليوم يا عمي مكانه
وليس لنا بغيرك من معينا
سللت السيف في وجه اليمامة
وقلت لها أمام الحاضرين
وقلت لها ما تقولي
أنا عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم
اقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يا يمامة فوق رأسي
على شاشي إذا كنا نسينا
فإن دارت رحانا مع رحاهم
طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر مهر
أبو حجلان مطلق اليدينا
فشدي يا يمامة المهر شدي
وأكسي ظهره السرج المتينا
قصيدة: أكثر قتل بني بكر بربهم
أكثرتُ قتل بني بكرٍ بِربِّهِمِ
حتّى بكيْتُ وما يبكي لهُم أحدُ
آليْتُ بِاللّهِ لا أرضى بِقتلِهِم
حتّى أُبهرِج بكراً أيْنما وُجِدوا
قصيدة: من مبلغ بكرا وآل أبيهم
من مبلغٌ بكراً وآل أبيهمِ
عنِّي مغلغلة الرّدي الأقعسِ
وَقصيدةً شعواء باقٍ نورُها
تبلى الجِبالُ وأثرُها لم يُطمسِ
أكُليْبُ إنّ النّار بعدك أُخمِدت
وَنسيتُ بعدك طيباتِ المجلسِ
أكُليْبُ من يحمي العشيرة كُلّها
أوْ من يكرُّ على الخميسِ الأشوسِ
من لِلأرامِلِ واليْتامى والحِمى
والسّيْفِ والرُّمحِ الدّقيقِ الأملسِ
وَلقد شفيت النفس من سرواتهم
بالسيفِ في يومِ الذنيبِ الأغبسِ
إنّ القبائِل أضرمت مِن جمعِنا
يَوْم الذّنائِبِ حرّ موْتٍ أحمسِ
فالإنسُ قد ذلت لنا وتقاصرت
والجنُّ من وقعِ الحديدِ الملبسِ
قصيدة: بات ليلي بالأنعمين طويلا
بات ليْلي بِالأنعميْنِ طويلا
أرقبُ النجم ساهراً لن يزولا
كيف أمدي ولا يزاولُ قتيلٌ
مِن بني وائِلٍ يُنادي قتيلاً
أزجرُ العين أن تبكي الطلولا
إنّ في الصّدرِ مِن كُليْبٍ غليلا
إنّ في الصّدرِ حاجةً لن تُقضّى
ما دعا في الغُضونِ داعٍ هديلا
كيف أنساك يا كليبُ ولما
أقضِ حُزناً ينوبُني وغليلا
أيُّها القلبُ أنجِزِ اليَوْم نحباً
مِن بني الحِصنِ إذ غدوْا وذُخولا
كيْف يبكي الطُّلول من هوَ رهنٌ
بطعانِ الأنامِ جيلاً فجيلا
أنبضوا معجِس القِسيِّ وأبرقنا
كما توعدُ الفحولُ الفحولا
وَصبرنا تحت البوارقِ حتى
ركدت فيْهِمِ السُّيوفُ طويلا
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا
وَأخو الحربِ من أطاق النُّزولا
قصيدة: إن يكن قتلنا الملوك خطاء
إن يكُن قتلنا المُلوك خطاءً
أو صواباً فقد قتلنا لبيدا
وَجعلنا مع المُلوكِ مُلوكاً
بِجيادٍ جُردٍ تُقِلُّ الحديدا
نُسعِرُ الحرب بِالّذي يحلِفُ الناسُ
بِهِ قومكُم ونُذكي الوَقودا
أو ترُدّوا لنا الإتاوَة والفيء
وَلا نجعلُ الحُروب وعيدا
إن تلُمني عجائِزٌ مِن نِزارٍ
فأراني فيما فعلتُ مُجيدا
قصيدة: هل عرفت الغداة من أطلال
هل عرفت الغداة مِن أطلالِ
رهنِ ريحٍ وديَمةٍ مِهطالِ
يَستبينُ الحليمُ فيها رُسوماً
دارِساتٍ كصنعةِ العُمّالِ
قد رآها وأهلُها أهلُ صِدقٍ
لا يُريدون نيَّة الارتِحالِ
يا لقوْمي لِلوْعةِ البلبالِ
وَلقتلِ الكماةِ والأبطالِ
وَلِعيْنٍ تبادر الدّمعُ مِنها
لِكُليْبٍ إذ فاقها بِانهِمالِ
لِكُليْبٍ إذِ الرِّياحُ عليْهِ
ناسفاتُ الترابِ بالأذيالِ
إنني زائرٌ جموعاً لبكرٍ
بيْنهُم حارِثٌ يُريدُ نِضالي
قد شفيْتُ الغليل مِن آلِ بكرٍ
ألِ شيبان بين عمًّ وخالِ
كيْف صبري وقد قتلتُم كُليْباً
وَشقيتم بقتلهِ في الخوالي
فلعمري لأقتُلن بِكُليْبٍ
كلّ قيلٍ يسمى من الأقيالِ
وَلعمري لقد وطِئتُ بني بكر
بما قد جنوهُ وطء النعالِ
لم أدع غير أكلب ونساءٍ
وَإماءٍ حواطبٍ وعيالِ
فاشربوا ما وردتمُ الآن منا
واصدروا خاسرين عن شرّ حالِ
زعم القوْمُ أنّنا جارُ سوءٍ
كذب القوْمُ عِندنا في المقالِ
لم ير الناسُ مثلنا يوم سرنا
نسلبُ الملك بالرماحِ الطوالِ
يوم سرنا إلى قبائل عوفٍ
بجموعٍ زهاؤها كالجبالِ
بيْنهُم مالِكٌ وعمروٌ وعوْفٌ
وَعقيلٌ وصالحُ بنُ هلالِ
لم يقم سيفُ حارثٍ بقتالٍ
أسلم الوالداتِ في الأثقالِ
صدق الجارُ إننا قد قتلنا
بِقِبالِ النِّعالِ رهط الرِّجالِ
لا تملّ القِتال يا ابن عُبادٍ
صبرِ النفس إنني غيرُ سالِ
يا خليلي قرِّبا اليَوْم مِنِّي
كلّ وردٍ وأدهمٍ صهالِ
قربا مربط المشهرِ مني
لِكُليْب الّذي أشاب قذالي
قربا مربط المشهرِ مني
واسألاني ولا تُطيلا سُؤالي
قربا مربط المشهرِ مني
سوْف تبدو لنا ذواتُ الحِجالِ
قربا مربط المشهرِ مني
إنّ قولي مطابقٌ لفعالي
قربا مربط المشهرِ مني
لِكُليْبٍ فداهُ عمِّي وخالي
قربا مربط المشهرِ مني
لأِعتِناقِ الكُماةِ والأبطالِ
قربا مربط المشهرِ مني
سوْف أُصلي نيران آلِ بِلالِ
قربا مربط المشهرِ مني
إن تلاقت رِجالُهُم ورِجالي
قربا مربط المشهرِ مني
طال ليْلي وأقصرت عُذّالي
قربا مربط المهرِ مني
يا لبكرٍ وأيْن مِنكُم وِصالي
قربا مربط المشهرِ مني
لِنِضالٍ إذا أرادوا نِضالي
قربا مربط المشهرِ مني
لقتيلٍ سفتهُ ريحُ الشمالِ
قربا مربط المشهرِ مني
مع رمحٍ مثقفٍ عسالِ
قربا مربط المهرِ مني
قرباهُ وقربا سربالي
ثُمّ قولا لِكُلِّ كهلٍ وناشٍ
مِن بني بكر جرِّدوا لِلقِتالِ
قد ملكناكمُ فكونوا عبيداً
مالكُم عن مِلاكِنا مِن مجالِ
وَخُذوا حِذركُم وشُدُّوا وجِدُّوا
واصبروا للنزالِ بعد النزالِ
فلقد أصبحت جمائعُ بكرٍ
مِثل عادٍ إذ مُزِّقت في الرِّمالِ
يا كليباً أجب لدعوةِ داع
موْجعِ القلبِ دائِمِ البلبالِ
فلقد كنت غير نكسٍ لدى البأسِ
وَلا واهنٍ ولا مكسالِ
قد ذبحنا الأطفال مِن آلِ بكرٍ
وَقهرنا كماتهم بالنضالِ
وَكررنا عليهمِ وانثنينا
بسيوفٍ تقدُّ في الأوصالِ
أسلموا كلّ ذاتِ بعلٍ وأخرى
ذات خِدرٍ غرّاء مِثل الهِلالِ
يا لبكرٍ فأوْعِدوا ما أردتُم
واستطعتم فما لذا من زوالِ
قصيدة: أثبت مرة والسيوف شواهد
أثبتُّ مرة والسيوفُ شواهرٌ
وَصرفتُ مقدمها إلى همامِ
وَبني لجيمٍ قد وطأنا وطأةً
بالخيل خارجةً عنِ الأوهامِ
وَرجعنا نجتنئ القنا في ضُمّرٍ
مثلِ الذئابِ سريعةِ الإقدامِ
وَسقيْتُ تيْم اللاّتِ كأساً مُرّةً
كالنّارِ شُبّ وقودُها بضِرامِ
وَبيوت قيسٍ قد وطأنا وطأةً
فتركنا قيساً غير ذات مقامِ
وَلقد قتلتُ الشعثمينِ ومالكاً
وابن المُسوَّرِ وابن ذاتِ دوامِ
وَلقد خبطتُّ بيوت يشكر خبطةً
أخوالُنا وهُمُ بنو الأعمامِ
ليْست بِراجِعةٍ لهُم أيامُهُم
حتّى تزول شوامِخُ الأعلامِ
قتلوا كليباً ثمّ قالوا أرتعوا
كذبوا وربّ الحلّ والإحرامِ
حتى تلفّ كتيبةٌ بكتيبةٍ
وَيحلّ أصرامٌ على أصرامِ
وَتقوم رباتُ الخدورِ حواسراً
يمسحن عرض تمائمِ الأيتامِ
حتّى نرى غُرراً تُجرُّ وجُمّةً
وَعظام رؤسٍ هشمت بعظامِ
حتّى يعضّ الشّيْخُ مِن حسراتِهِ
مما يرى جزعاً على الإبهامِ
وَلقد تركنا الخيْل في عرصاتِها
كالطيرِ فوق معالمِ الأجرامِ
فقضيْن ديْناً كُنّ قد ضُمِّنّهُ
بعزائمٍ غلبِ الرقابِ سوامِ
من خيلِ تغلب عزةً وتكرماً
مثل الليوثِ بساحةِ الآنامِ
قصيدة: أليلتنا بذي حسم أنيري
أليلتنا بذي حسمٍ أنيري
إذا أنتِ انقضيتِ فلا تحوري
فإن يكُ بالذنائبِ طال ليلي
فقد أبكي من الليلِ القصيرِ
وَأنقذني بياضُ الصُّبحِ مِنها
لقد أنقذتُ من شرًّ كبيرِ
كأنّ كواكب الجوزاءِ عودٌ
مُعطّفةٌ على ربعٍ كسيرٍ
كأنّ الفرقدينِ يدا بغيضٍ
ألحّ على إفاضتِهِ قميري
أرقتُ وصاحبي بجنوبِ شعبٍ
لبرقٍ في تهامة مستطيرِ
فلوْ نُبِش المقابِرُ عن كُليْبٍ
فيعلم بالذنائبِ أيُّ زيرِ
بيَوْمِ الشّعثميْنِ أقرّ عيْناً
وَكيْف لِقاء من تحت القُبورِ
وَأني قد تركتُ بوارداتٍ
بُجيْراً في دمٍ مِثلِ العبيرِ
هتكتُ بِهِ بُيوت بني عُبادٍ
وَبعضُ الغشمِ أشفى لِلصُّدورِ
على أن ليْس يوفى مِن كُليْبٍ
إذا برزت مخبأةُ الخدورِ
وَهمّام بن مُرّة قد تركنا
عليهِ القشعمانِ من النسورِ
ينوءُ بصدرهِ والرمحُ فيهِ
وَيَخلُجُهُ خدبٌ كالبعيرِ
قتيلٌ ما قتيلُ المرءِ عمروٌ
وَجسّاسُ بنُ مُرّة ذو ضريرِ
كأنّ التّابِع المِسكين فيْها
أجيرٌ في حُداباتِ الوَقيرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا خاف المُغارُ مِن المُغيرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا طُرِد اليَتيمُ عنِ الجزورِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا ما ضيم جارُ المستجيرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا ضاقت رحيباتُ الصدورِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا خاف المخوفُ مِن الثُّغورِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا طالت مُقاساةُ الأُمورِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا هبّت رياحُ الزّمهريرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا وثب المُثارُ على المُثيرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا عجز الغنيُّ عنِ الفقيرِ
على أن ليْس عدلاً مِن كُليْبٍ
إذا هتف المُثوبُ بِالعشيرِ
تسائلني أميمةُ عن أبيها
وَما تدري أُميْمةُ عن ضميرِ
فلا وأبي أميمة ما أبوها
من النّعمِ المُؤثّلِ والجزورِ
وَلكنا طعنا القوم طعناً
على الأثباجِ منهم والنحورِ
نكُبُّ القوم لِلأذقانِ صرعى
وَنأخُذُ بِالتّرائِبِ والصُّدورِ
فلوْلا الرِّيْحُ أُسمِعُ من بِحُجرٍ
صليل البيضِ تقرعُ بالذكورِ
فِدىً لِبني شقيقة يوْم جاءوا
كاسدِ الغابِ لجت في الزئيرِ
غداة كأننا وبني أبينا
بجنبِ عنيزة رحيا مديرِ
كأنّ الجديَ جديَ بناتِ نعشٍ
يكبُّ على اليدينِ بمستديرِ
وَتخبو الشُّعريانِ إلى سُهيْلٍ
يَلوحُ كقُمّةِ الجبلِ الكبيرِ
وَكانوا قوْمنا فبغوْا عليْنا
فقد لاقاهُمُ لفحٌ السّعيرِ
تظلُّ الطيرُ عاكفةً عليهم
كأنّ الخيل تنضحُ بالعبيرِ
شعر الزير سالم عن العم والخال
تناول شعر الزير سالم العديد من المواضيع المرتبطة بالحرب والثأر والشجاعة، والرثاء، وكذلك العلاقات الاجتماعية، ومن ذلك حديثه عن الأعمام والأخوال. في قصيدته الشهيرة ”الزير أنشدَ شعراً من ضمائره ... العز بالسيفِ ليس العزُ بالمالِ“ التي يرثي فيها شيبون بن همام ويعبّر عن غضبه وحزنه.
قصيدة: العز بالسيف ليس العز بالمال
الزير أنشدَ شعراً من ضمائره
العز بالسيفِ ليس العزُ بالمالِ
شيبونٌ أرسلَ نهارَ الحربِ يطلبني
يريد حربي وقتلي دون ابطالي
نصحتهُ عن حربي فلم يطاوعني
بارزتهُ فهوى للأرض بالحالِ
المالُ يبني بيوتاً لا عماد لها
والفقرُ يهدِّمُ بيوتاً سقفها عالي
دَعْ التقاديرَ تجري في أعنتها
ولا تبيتنَ إلا خاليَ البالِ
ما بين لحظة عينٍ وانتفاضتها
يغيرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ
فكن مع الناسِ كالميزانِ معتدلٌ
ولا تقولنَّ ذا عمي وذا خالي
العمُ من أنت مغمورٌ بنعمتهِ
والخالُ من كنت من أضرارهِ خالِ
لا يقطعُ الرأسَ إلا من يركِّبهُ
ولا تردُ المنايا كثرةُ المالِ
شعر الزير سالم قبل موته
أواخر أيام أبو ليلى المهلهل شعر بالضيق من عجزه ووحدته، فطلب من ابن أخيه، الملك الجرو، أن ”يتجول في البلاد للترويح عن نفسه“. فأعطاه الملك هودجًا واثنين من العبيد لحراسته مع متطلبات سفره. انطلق الزير سالم في رحلته، واستمر بالتنقل من مكان لآخر حتى أرهق عبديه. حيث قرر العبدان قتله ودفنه، ثم العودة إلى أهله وإخبارهم بأن الزير سالم أبو ليلى المهلهل قد وافته المنية.
ويبدو أن الزير سالم أدرك غرضهما وما ينويان، فطلب منهما إبلاغ وصيته إلى أهله، فأنشد عليهما بيتًا وحيدًا من الشعر:
مَن مبلغ الأقوام أنَّ مهلهلًا ** لله درُّكما ودرُّ أبيكما
قتل العبدان الزير ليلاً ودفناه في الصحراء، ثم رجعا إلى ديارهما، وأخبرا ابن كليب بخبر موت عمه الزير، ثم أنشداه بيت الشعر الذي حفظاه عن المهلهل.
بمجرد أن أنشد العبدان وصية أبو ليلى المهلهل أو بيته الشعري الوحيد أمام الملك الجرو واليمامة وكبار القوم، لطمت اليمامة وجهها ومزقت ثيابها وهي تصرخ بأن عمها لا يمكن أن يقول أبياتًا ناقصة أو غير مترابطة، وأدركت أنه قُتل غدرًا، وأنه كان يحاول أن يقول:
مَنْ مبلغ الأقوام أنَّ مهلهلًا ** أضحى قتيلًا في الفلاة مجندلًا
لله دركما ودر أبيكما ** لا يَبرح العبدان حتى يُقْتَلا
شعر الزير سالم في الحب والغزل
اشتهر المهلهل بشعره الحماسي الذي يصف البطولات والحروب، ولكن هذا لا يعني أنه غفل عن جانب الحب والغزل في شعره. فبين سطور قصائده الحماسية، نجد لمحات رقيقة تعبر عن مشاعر الحب والعشق، وإن كانت محاطة بطابع خاص به. ومن الأبيات المنسوبة إليه في الحب والغزل:
قصيدة: طفلة ما ابنة المجلل بيضاء
طفلةٌ ما ابنةُ المجللِ بيضاءُ
لعوبٌ لذيذةٌ في العناقِ
فاذهبي ما إليكِ غيرُ بعيدٍ
لا يؤاتي العناق من في الوثاقِ
ضربت نحرها إليَّ وقالت
يا عدياً لقد وقتك الأواقي
ما أرجي في العيشِ بعد ندامايَ
أراهُم سُقوا بِكأسِ حلاقِ
بعد عمروٍ وعامِرٍ وحييٍّ
وَربيعِ الصُّدوفِ وابنيْ عناقِ
وامرِئِ القيْسِ ميِّتٍ يوْم أوْدى
ثمّ خلى عليَّ ذاتِ العراقي
وَكُليْبٍ شُمِّ الفوارِسِ إذ حُمم
رماهُ الكُماةُ بِالإتِّفاقِ
إن تحت الأحجار جدا وليناً
وَخصيماً ألدّ ذا معلاقِ
حيَّةً في الوَجارِ أربد لا تنفعُ
مِنهُ السّليم نفثةُ راقِ
لستُ أرجو لذّة العيْشِ ما
أزمت أجلادُ قدٍّ بِساقي
جلّلوني جِلد حوْبٍ فقد
جعلوا نفسي عِند التّراقي
شعر الزير سالم عن الخمر
من أشهر أبيات الزير سالم التي يذكر فيها الخمر:
قصيدة: دعيني فما في اليوم مصحى لشارب
دعيني فما في اليَوْمِ مصحىً لِشارِبٍ
وَلا في غدٍ ما أقرب اليَوْم مِن غدِ
دعيني فإنِّي في سماديرِ سكرةٍ
بها جلّ همي واستبان تجلدي
فإن يطلعِ الصبحُ المنيرُ فإنني
سأغدوا الهوَيْنا غيْر وانٍ مُفرّدِ
وًأصبحُ بكراً غارةً صيليمةً
يَنالُ لظاها كُلّ شيْخٍ وأمردِ