فقدان الصديق خسارة كبيرة تهز القلوب وتترك أثراً عميقاً في النفس، ويدفع بالفرد إلى التعبير عن حزنه وألمه. ولعل أرقى وأجمل هذه التعبيرات هو الشعر، الذي يمنحنا فرصة للتأمل في معنى الوداع، والتعبير عن مشاعرنا بأسلوب فني رفيع.
في هذه المقالة، سنتناول بعض القصائد التي تعبر عن مشاعر الفقدان والحزن عند رحيل صديق عزيز. وسنستعرض كيف يمكن للشعر أن يكون وسيلة للتخفيف من الألم وتخليد ذكرى الصديق الراحل من خلال الكلمات التي تلامس القلوب وتعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية.
قصيدة: مضى الشقيق لروحي فهي موحشة
الشاعر: ناصيف اليازجي
مضى الشقيق لروحي فهي موحشة
وبان شطر فؤادي فهو منفطر
قد كنت أنتظر البشرى برؤيته
فجاءني غير ما قد كنت أنتظر
إن كان قد فات شهد الوصل منه فقد
رضيت بالصبر لكن كيف أصطبر
أحب شيء لعيني حين أذكره
دمع وأطيب شيء عندها السهر
هذا الصديق الذي كانت مودته
كالكوثر العذب لا يغتالها الكدر
صافي السريرة محض الود لا ملق
في لفظه لا ولا في قلبه وضر
عف الإزار حصيف زاهد ورع
لا تزدهيه بدور الأفق والبدر
يغشى المساجد في الأسحار معتكفا
وقد طوت ليله الأوراد والسور
هو الكريم الجواد ابن الجواد له
بالفضل يشهد بدو الأرض والحضر
يبكيه نظم القوافي والصحائف
والأقلام والخطب الغراء والسمر
لا غرو إن أحزن الزوراء مصرعه
فحزنه فوق لبنان له قدر
وإن يكن فاته نهر السلام ففي
دار السلام له الأنهار تنفجر
مضى إلى الله حيى الله طلعته
بالمكرمات وحيى تربه المطر
لئن سلاه فؤادي ما بقيت فقد
ركبت في الحب ذنبا ليس يغتفر
لا أفلح البين ما أمضى مضاربه
كالبرق يخطف من إيماضه البصر
نسعى ونجمع ما نجني فيسلبه
منا جزافا ويمضي وهو مفتقر
إن الحياة كظل مال منتقلا
إلى حيوة بدار الخلد تنتظر
هي الطريق التي تفضي إلى خطر
وحبذا السير لولا ذلك الخطر
نمسي ونصبح في خوف يطول بها
فلا يطيب لنا ورد ولا صدر
إذا انجلت غمرة قامت صواحبها
فليس تنفك عن تاريخها الغمر
اقرأ أيضًا: شعر حزين عن الفراق.
قصيدة: تبكي عيون الأنام قرتها
تبكي عيون الأنام قرتها
ونورها بينهم وبهجتها
ودت لو ان بالعمى قد اكتحلت
ولم يغب من يزين نظرتها
والكبد يا ويح كبد ناضجة
والنفس هد الفراق قوتها
أحقا إن الحسين غادرنا
لبقعة أسكنته تربتها
فإن يكن فهي أمه أخذت
من حسنه حظها وحصتها
وكان قد شاقها محبته
فأطفأت بالعناق جمرتها
فلا تلم في القلوب منكسرا
فحبه قد أصاب حبتها
فكم رأينا من خلقه دررا
إذا انتقيت وجدت صفوتها
كالبدر زانته في السما نجم
وزانهن وكان غرتها
أبو الخصال التي سمعت بها
لكنه يستقل كثرتها
أذلها حلمه فطاعت له
حتى امتطى في الأنام صهوتها
فسل بيوت الإله عنه ومن
أحيا بفيض العطاء سنتها
مدارس العلم شاهدات له
لولا القضا أسمعتك حسرتها
سقى الإله الكريم تربته
وناله من نواله ما اشتهى
اقرأ أيضًا: أبيات شعر قصيرة عن الوداع والفراق.
قصيدة: لقد أبكرت يا رجل الرجال
الشاعر: جريس معمر
لقد أبكرت يا رجل الرجال
وأسرجت المنون بلا سؤال
فأججت الأسى في كل قلب
وجارحة وما أبقيت سالي
نعى الناعي فروّعنا جميعاً
وجاز الجرح حد الاحتمال
هل الأيام تغدر في أديب
سما فوق المصالح لا يمالي
خسرنا الحلم والخلق المزكّى
خسرنا هيبة الرجل المثالي
فلم أتوقع المأساة أصلاً
ولا خطرت ولا جالت ببالي
ضياعك يا صديقي كان مرّاً
أضاع النور في حلك الليالي
تؤم الناس بيتك كي تعزي
ولكن من يعزيني بحالي
أنا المجروح من موت تدلى
ليغدر في صديق كان غالي
إذا سلب الردى منا أديباً
فذكره سوف يحيا في الخيال
سيحيا في قلوب الناس فكراً
سيبقى فلذة الأكباد مالي
سيبقى في رحاب الخلد نسراً
يحاكي مجده قمم الجبال
فيا زوج الفقيد رزقت صبراً
فإن الصبر من شيم الكمال
إذا اشتدت رياح الهوج فالدرع
أنت وأنت يا سند الرجال
تعزينا بأن خلفت نسلاً
كريم الأصل من أرقى الرجال
تعزينا بأن خلفت كنزاً
من الأخلاق من أسمى الخصال
أعزّي الأصدقاء كما أعزي
أشقاء الفقيد مع العيال
رعى الله الفقيد بكل خير
وأسكنه فسيحات الظلال
قصيدة: لقد سجمت من دمع عيني عبرة
الشاعر: حسان بن ثابت، يرثي صديقه سعد بن معاذ
لقد سجمت من دمع عيني عبرة
وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به
عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
على ملة الرحمن وارث جنة
مع الشهداء وفدها أكرم الوفد
فإن تك قد ودعتنا وتركتنا
وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد
كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيي قريظة بالذي
قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهم
ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى
شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا
إلى الله يوما للوجاهة والقصد
قصيدة: في رحمة الله من قد راح مبتعدًا
في رحمةِ الله من قد راحَ مبتعدًا
إنّا إلى الله قول أبردَ الكبدا
في ذمةِ الله أخٌ مسرعٌ ذهبَ
إلى الرحيمِ إلى جناتِهِ رَغِدا
إذا ذكرناهُ فاضَ الدمعُ وانحدرَ
فوقَ الخدودِ عجولًا فتَّتَ العَضُدا
كنا رفيقي طريقٍ في الدُنا مُهدا
لِمَا الرحيلُ وعزمُ البدءِ قد عُقدا
يا صاحبي قد تركِتَ الدنيا مغتربًا
والصحبُ والأهلُ والجيران والبلدا
الحزنُ يقطعُ قلبًا قبلُ قد قُطعَ
والشوق يفجُرُ دمعًا غارَ وافتُقِدا
قد كنتَ منَّا كنجم ساطع طلع
فوق البحارِ ببعضِ الليلِ قد رُصِدا
صاحَ لكَ الله في دارِ البقا فعِش
عيش الخلودِ سعيدًا هانئًا غَرِدا
قصيدة: يقولون رشدي مات قلت صدقتم
الشاعر: أحمد شوقي
يقولون رشدي مات قلت صدقتم
ومات صوابي يوم ذام وآمالي
وركني الذي للنائبات أعده
وذخري في الماضي وعوني على الحال
وسعدي الذي خان الزمان وطالعي
وفخري إذا ألقى الرجال وإجلالي
أرشدي لقد عشت الذي عشت سيدا
ولم تك عبد الجاه والأمر والمال
ولم تأل كتب العلم درسا ومطلبا
ولم تك عنها في الثمانين بالسالي
وكنت تحل الفضل أسمى محلة
وتنزل أهل الفضل في المنزل العالي
ولم تتخير ألف خل وصاحب
ولكن من تختاره الواحد الغالي
حبيتك والدنيا تحبك كلها
وزدتك حبا عندما كثر القالي
وقست بك الأعيان حيا وميتا
فوالله ما جاء القياس بأمثال
ولو أن إنسانا من الموت يفتدى
فديتك بالنفس النفيسة والآل
وفي النهاية، يبقى شعر الرثاء شهادة على عمق العلاقة التي تربط بين الأصدقاء. إنه انعكاس صادق للمشاعر التي تنتاب القلب الحزين بفقدان عزيز. ففي كل بيت شعري، نجد صدى لما يجول في خاطر الشاعر، وكيف أن الفراق قد ترك في نفسه جرحاً عميقاً لن يندمل. وبهذا، يظل شعر الرثاء شاهداً على قوة الصداقة، وعلى قدرة الكلمة الشعرية على تخليد الذكريات والأحبة.