- أبو تمام
- قصيدة: السيف أصدق أنباء من الكتب
- قصيدة: إذا جاريت في خلق دنيئا
- قصيدة: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
- قصيدة: مازالت الأيام تخبر سائلا
- قصيدة: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
- قصيدة: دمن ألم بها فقال سلام
- قصيدة: لو أن دهرا رد رجع جواب
- قصيدة: أجل أيها الربع الذي خف آهله
- قصيدة: رقت حواشي الدهر فهي تمرمر
- قصيدة: أحسن بأيام العقيق وأطيب
أبو تمام
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، وهو عملاق الشعر العربي، شاعرٌ امتاز ببراعته في صياغة المعاني العميقة بأسلوب فني رفيع. لقد أثرى المكتبة العربية بقصائده التي تناولت شتى المواضيع، من الحكمة والفخر إلى الوصف والغزل. يتميز شعره بالعمق الفكري والجمال اللغوي، وبالقدرة على التعبير عن أسمى المشاعر والأحاسيس. في هذا المقال، سنتناول بعضاً من أجمل قصائد أبو تمام التي حفرت اسمه في ذاكرة الأدب العربي والتي يزال صداها يتردد حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضًا: لولا اشتعال النار فيما جاورت.
قصيدة: السيف أصدق أنباء من الكتب
السيفُ أصدقُ أنباءً مِن الكُتُبِ
في حدِّهِ الحدُّ بين الجِدِّ واللعِبِ
بيضُ الصفائِحِ لا سودُ الصحائِفِ في
مُتونِهِنّ جلاءُ الشكِّ والريَبِ
والعِلمُ في شُهُبِ الأرماحِ لامِعةً
بين الخميسينِ لا في السبعةِ الشُهُبِ
أين الرِوايَةُ بل أين النُجومُ وما
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها ومِن كذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً مُلفّقةً
ليست بِنبعٍ إذا عُدّت ولا غربِ
عجائِباً زعموا الأيّام مُجفِلةً
عنهُنّ في صفرِ الأصفارِ أو رجبِ
وَخوّفوا الناس مِن دهياء مُظلِمةٍ
إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذنبِ
وَصيّروا الأبرُج العُليا مُرتّبةً
ما كان مُنقلِباً أو غير مُنقلِبِ
يَقضون بِالأمرِ عنها وهيَ غافِلةٌ
ما دار في فُلُكٍ مِنها وفي قُطُبِ
لو بيّنت قطُّ أمراً قبل موقِعِهِ
لم تُخفِ ما حلّ بِالأوثانِ والصُلُبِ
فتحُ الفُتوحِ تعالى أن يُحيط بِهِ
نظمٌ مِن الشِعرِ أو نثرٌ مِن الخُطبِ
فتحٌ تفتّحُ أبوابُ السماءِ لهُ
وَتبرُزُ الأرضُ في أثوابِها القُشُبِ
يا يوم وقعةِ عمّوريّة اِنصرفت
مِنك المُنى حُفّلاً معسولة الحلبِ
أبقيت جدّ بني الإسلامِ في صعدٍ
والمُشرِكين ودار الشِركِ في صببِ
أُمٌّ لهُم لو رجوا أن تُفتدى جعلوا
فِداءها كُلّ أُمٍّ مِنهُمُ وأبِ
وَبرزةِ الوَجهِ قد أعيَت رياضتُها
كِسرى وصدّت صُدوداً عن أبي كرِبِ
بِكرٌ فما اِفترعتها كفُّ حادِثةٍ
وَلا ترقّت إليها هِمّةُ النوَبِ
مِن عهدِ إسكندرٍ أو قبل ذلِك قد
شابت نواصي الليالي وهيَ لم تشِبِ
حتّى إذا مخّض اللهُ السِنين لها
مخض البخيلةِ كانت زُبدة الحِقبِ
أتتهُمُ الكُربةُ السوداءُ سادِرةً
مِنها وكان اِسمُها فرّاجة الكُربِ
جرى لها الفألُ برحاً يوم أنقرةٍ
إذ غودِرت وحشة الساحاتِ والرُحبِ
لمّا رأت أُختها بِالأمسِ قد خرِبت
كان الخرابُ لها أعدى مِن الجربِ
كم بين حيطانِها مِن فارِسٍ بطلٍ
قاني الذوائِبِ مِن آني دمٍ سربِ
بِسُنّةِ السيفِ والخطيِّ مِن دمِهِ
لا سُنّةِ الدينِ والإسلامِ مُختضِبِ
لقد تركت أمير المُؤمِنين بِها
لِلنارِ يوماً ذليل الصخرِ والخشبِ
غادرت فيها بهيم الليلِ وهوَ ضُحىً
يَشُلُّهُ وسطها صُبحٌ مِن اللهبِ
حتّى كأنّ جلابيب الدُجى رغِبت
عن لونِها وكأنّ الشمس لم تغِبِ
ضوءٌ مِن النارِ والظلماءِ عاكِفةٌ
وَظُلمةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شحِبِ
فالشمسُ طالِعةٌ مِن ذا وقد أفلت
والشمسُ واجِبةٌ مِن ذا ولم تجِبِ
تصرّح الدهرُ تصريح الغمامِ لها
عن يومِ هيجاء مِنها طاهِرٍ جُنُبِ
لم تطلُعِ الشمسُ فيهِ يوم ذاك على
بانٍ بِأهلٍ ولم تغرُب على عزبِ
ما ربعُ ميّة معموراً يُطيفُ بِهِ
غيلانُ أبهى رُبىً مِن ربعِها الخرِبِ
وَلا الخُدودُ وقد أُدمين مِن خجلٍ
أشهى إلى ناظِري مِن خدِّها الترِبِ
سماجةً غنيَت مِنّا العُيونُ بِها
عن كُلِّ حُسنٍ بدا أو منظرٍ عجبِ
وَحُسنُ مُنقلبٍ تبقى عواقِبُهُ
جاءت بشاشتُهُ مِن سوءِ مُنقلبِ
لو يعلمُ الكُفرُ كم مِن أعصُرٍ كمنت
لهُ العواقِبُ بين السُمرِ والقُضُبِ
تدبيرُ مُعتصِمٍ بِاللهِ مُنتقِمٍ
لِلّهِ مُرتقِبٍ في اللهِ مُرتغِبِ
وَمُطعمِ النصرِ لم تكهم أسِنّتُهُ
يَوماً ولا حُجِبت عن روحِ مُحتجِبِ
لم يغزُ قوماً ولم ينهض إلى بلدٍ
إلّا تقدّمهُ جيشٌ مِن الرعبِ
لو لم يقُد جحفلاً يوم الوَغى لغدا
مِن نفسِهِ وحدها في جحفلٍ لجِبِ
رمى بِك اللهُ بُرجيها فهدّمها
وَلو رمى بِك غيرُ اللهِ لم يُصِبِ
مِن بعدِ ما أشّبوها واثِقين بِها
واللهُ مِفتاحُ بابِ المعقِلِ الأشِبِ
وَقال ذو أمرِهِم لا مرتعٌ صددٌ
لِلسارِحين وليس الوِردُ مِن كثبِ
أمانياً سلبتهُم نُجح هاجِسِها
ظُبى السُيوفِ وأطرافُ القنا السُلُبِ
إنّ الحِمامينِ مِن بيضٍ ومِن سُمُرٍ
دلوا الحياتينِ مِن ماءٍ ومِن عُشُبِ
لبّيت صوتاً زِبطريّاً هرقت لهُ
كأس الكرى ورُضاب الخُرّدِ العُرُبِ
عداك حرُّ الثُغورِ المُستضامةِ عن
بردِ الثُغورِ وعن سلسالِها الحصِبِ
أجبتهُ مُعلِناً بِالسيفِ مُنصلِتاً
وَلو أجبت بِغيرِ السيفِ لم تُجِبِ
حتّى تركت عمود الشِركِ مُنعفِراً
وَلم تُعرِّج على الأوتادِ والطُنُبِ
لمّا رأى الحرب رأيَ العينِ توفِلِسٌ
والحربُ مُشتقّةُ المعنى مِن الحربِ
غدا يُصرِّفُ بِالأموالِ جِريَتها
فعزّهُ البحرُ ذو التيّارِ والحدبِ
هيهات زُعزِعتِ الأرضُ الوَقورُ بِهِ
عن غزوِ مُحتسِبٍ لا غزوِ مُكتسِبِ
لم يُنفِقِ الذهب المُربي بِكثرتِهِ
على الحصى وبِهِ فقرٌ إلى الذهبِ
إنّ الأُسود أُسود الغيلِ هِمّتُها
يَوم الكريهةِ في المسلوبِ لا السلبِ
وَلّى وقد ألجم الخطّيُّ منطِقهُ
بِسكتةٍ تحتها الأحشاءُ في صخبِ
أحذى قرابينُهُ صرف الردى ومضى
يَحتثُّ أنجى مطاياهُ مِن الهربِ
موَكِّلاً بيَفاعِ الأرضِ يُشرِفُهُ
مِن خِفّةِ الخوفِ لا مِن خِفّةِ الطربِ
إن يعدُ مِن حرِّها عدوَ الظليمِ فقد
أوسعت جاحِمها مِن كثرةِ الحطبِ
تِسعون ألفاً كآسادِ الشرى نضِجت
جُلودُهُم قبل نُضجِ التينِ والعِنبِ
يا رُبّ حوباء حين اِجتُثّ دابِرُهُم
طابت ولو ضُمِّخت بِالمِسكِ لم تطِبِ
وَمُغضبٍ رجعت بيضُ السُيوفِ بِهِ
حيّ الرِضا مِن رداهُم ميِّت الغضبِ
والحربُ قائِمةٌ في مأزِقٍ لجِجٍ
تجثو القيامُ بِهِ صُغراً على الرُكبِ
كم نيل تحت سناها مِن سنا قمرٍ
وَتحت عارِضِها مِن عارِضٍ شنِبِ
كم كان في قطعِ أسبابِ الرِقابِ بِها
إلى المُخدّرةِ العذراءِ مِن سببِ
كم أحرزت قُضُبُ الهِنديِّ مُصلتةً
تهتزُّ مِن قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ
بيضٌ إذا اِنتُضيَت مِن حُجبِها رجعت
أحقّ بِالبيضِ أتراباً مِن الحُجُبِ
خليفة اللهِ جازى اللهُ سعيَك عن
جُرثومةِ الدينِ والإسلامِ والحسبِ
بصُرت بِالراحةِ الكُبرى فلم ترها
تُنالُ إلّا على جِسرٍ مِن التعبِ
إن كان بين صُروفِ الدهرِ مِن رحِمٍ
موصولةٍ أو ذِمامٍ غيرِ مُنقضِبِ
فبين أيّامِك اللاتي نُصِرت بِها
وَبين أيّامِ بدرٍ أقربُ النسبِ
أبقت بني الأصفرِ المِمراضِ كاِسمِهِمُ
صُفر الوُجوهِ وجلّت أوجُه العربِ
اقرأ أيضًا: أبو تمام وعروبة اليوم - عبد الله البردوني.
قصيدة: إذا جاريت في خلق دنيئا
إذا جاريت في خُلُقٍ دنيئاً
فأنت ومن تُجاريهِ سواءُ
رأيتُ الحُرّ يجتنِبُ المخازي
وَيَحميهِ عنِ الغدرِ الوَفاءُ
وَما مِن شِدّةٍ إلّا سيَأتي
لها مِن بعدِ شِدّتِها رخاءُ
لقد جرّبتُ هذا الدهر حتّى
أفادتني التجارِبُ والعناءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولّى
بدا لهُمُ مِن الناسِ الجفاءُ
يَعيشُ المرءُ ما اِستحيا بِخيرٍ
وَيَبقى العودُ ما بقيَ اللِحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ
وَلا الدُنيا إذا ذهب الحياءُ
إذا لم تخش عاقِبة الليالي
وَلم تستحيِ فاِفعل ما تشاءُ
لئيمُ الفِعلِ مِن قومٍ كِرامٍ
لهُ مِن بينِهِم أبداً عواءُ
اقرأ أيضًا: أجمل قصائد أبو الطيب المتنبي.
قصيدة: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
البينُ جرّعني نقيع الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإن لم أُثكلِ
ما حسرتي أن كِدتُ أقضي إنّما
حسراتُ نفسي أنّني لم أفعلِ
نقِّل فُؤادك حيثُ شِئت مِن الهوى
ما الحُبُّ إلّا لِلحبيبِ الأوّلِ
كم منزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى
وَحنينُهُ أبداً لِأوّلِ منزِلِ
اقرأ أيضًا: أجمل أشعار قيس بن الملوح (مجنون ليلى).
قصيدة: مازالت الأيام تخبر سائلا
مازالتِ الأيّامُ تُخبِرُ سائِلاً
أن سوف تفجعُ مُسهِلاً أو عاقِلا
إنّ المنون إذا اِستمرّ مريرُها
كانت لها جُننُ الأنامِ مقاتِلا
في كُلِّ يومٍ يعتبِطن نُفوسنا
عبط المُنحِّبِ جِلّةً وأفائِلا
ما إن ترى شيئاً لِشيءٍ مُحيياً
حتّى تُلاقيهِ لِآخر قاتِلا
مِن ذاك أجهدُ أن أراهُ فلا أرى
حقّاً سِوى الدُنيا يُسمّى باطِلا
لِلّهِ أيّةُ لوعةٍ ظِلنا بِها
تركت بكيّاتِ العُيونِ هوامِلا
مجدٌ تأوّب طارِقاً حتّى إذا
قُلنا أقام الدهر أصبح راحِلا
نجمانِ شاء اللهُ ألّا يطلُعا
إلّا اِرتِداد الطرفِ حتّى يأفِلا
إنّ الفجيعة بِالرياضِ نواضِراً
لأجلُّ مِنها بِالرياضِ ذوابِلا
لو يُنسآنِ لكان هذا غارِباً
لِلمكرُماتِ وكان هذا كاهِلا
لهفي على تِلك الشواهِدِ فيهِما
لو أُمهِلت حتّى تكون شمائِلا
لغدا سُكونُهُما حِجىً وصِباهُما
حِلماً وتِلك الأريَحيّةُ نائِلا
وَلأعقب النجمُ المُرِذُّ بِديمةٍ
وَلعاد ذاك الطلُّ جوداً وابِلا
إنّ الهِلال إذا رأيت نُموّهُ
أيقنت أن سيَكونُ بدراً كامِلا
قُل لِلأميرِ وإن لقيت موَقّراً
مِنهُ بِريبِ الحادِثاتِ حُلاحِلا
إن تُرز في طرفي نهارٍ واحِدٍ
رُزئينِ هاجا لوعةً وبلابِلا
فالثِقلُ ليس مُضاعفاً لِمطيّةٍ
إلّا إذا ما كان وهماً بازِلا
لا غروَ إن فننانِ مِن عيدانِهِ
لقيا حِماماً لِلبريّةِ آكِلا
إنّ الأشاء إذا أصاب مُشذِّبٌ
مِنهُ اِتمهلّ ذُرىً وأثّ أسافِلا
حِقفانِ هالهُما القضاءُ وغادرا
قُللاً لنا دون السماءِ قواعِلا
رضوى وقُدس ويَذبُلاً وعمايَةً
وَيَرمرماً ومُتالِعاً ومواسِلا
الطاهِرينِ وإخوَةً أنجبتهُم
كالحومِ وُجِّه صادِراً أو ناهِلا
شمخت خِلالُك أن يُؤسّيك اِمرِؤٌ
أو أن تُذكّر ناسياً أو غافِلا
إلّا مواعِظ قادها لك سمحةً
إسجاجُ لُبِّك سامِعاً أو قائِلا
هل تكلّفُ الأيدي بِهزِّ مُهنّدٍ
إلّا إذا كان الحُسام القاصِلا
اقرأ أيضًا: أفضل قصائد أبو فراس الحمداني.
قصيدة: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
كذا فليَجِلّ الخطبُ وليَفدحِ الأمرُ
فليس لِعينٍ لم يفِض ماؤُها عُذرُ
توُفّيَتِ الآمالُ بعد مُحمّدٍ
وَأصبح في شُغلٍ عنِ السفرِ السفرُ
وَما كان إلّا مال من قلّ مالُهُ
وَذُخراً لِمن أمسى وليس لهُ ذُخرُ
وَما كان يدري مُجتدي جودِ كفِّهِ
إذا ما اِستهلّت أنّهُ خُلِق العُسرُ
ألا في سبيلِ اللهِ من عُطِّلت لهُ
فِجاجُ سبيلِ اللهِ واِنثغر الثغرُ
فتىً كُلّما فاضت عُيونُ قبيلةٍ
دماً ضحِكت عنهُ الأحاديثُ والذِكرُ
فتىً مات بين الضربِ والطعنِ ميتةً
تقومُ مقام النصرِ إذ فاتهُ النصرُ
وَما مات حتّى مات مضرِبُ سيفِهِ
مِن الضربِ واِعتلّت عليهِ القنا السُمرُ
وَقد كان فوتُ الموتِ سهلاً فردّهُ
إليهِ الحِفاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعرُ
وَنفسٌ تعافُ العار حتّى كأنّهُ
هوَ الكُفرُ يوم الروعِ أو دونهُ الكُفرُ
فأثبت في مُستنقعِ الموتِ رِجلهُ
وَقال لها مِن تحتِ أخمُصِكِ الحشرُ
غدا غدوَةً والحمدُ نسجُ رِدائِهِ
فلم ينصرِف إلّا وأكفانُهُ الأجرُ
تردّى ثياب الموتِ حُمراً فما أتى
لها الليلُ إلّا وهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ
كأنّ بني نبهان يوم وفاتِهِ
نُجومُ سماءٍ خرّ مِن بينِها البدرُ
يُعزّون عن ثاوٍ تُعزّى بِهِ العُلى
وَيَبكي عليهِ الجودُ والبأسُ والشِعرُ
وَأنّى لهُم صبرٌ عليهِ وقد مضى
إلى الموتِ حتّى اِستُشهِدا هوَ والصبرُ
فتىً كان عذب الروحِ لا مِن غضاضةٍ
وَلكِنّ كِبراً أن يُقال بِهِ كِبرُ
فتىً سلبتهُ الخيلُ وهوَ حِمىً لها
وَبزّتهُ نارُ الحربِ وهوَ لها جمرُ
وَقد كانتِ البيضُ المآثيرُ في الوَغى
بواتِر فهيَ الآن مِن بعدِهِ بُترُ
أمِن بعدِ طيِّ الحادِثاتِ مُحمّداً
يَكونُ لِأثوابِ الندى أبداً نشرُ
إذا شجراتُ العُرفِ جُذّت أُصولُها
ففي أيِّ فرعٍ يوجدُ الوَرقُ النضرُ
لئِن أُبغِض الدهرُ الخؤونُ لِفقدِهِ
لعهدي بِهِ مِمّن يُحبُّ لهُ الدهرُ
لئِن غدرت في الروعِ أيّامُهُ بِهِ
لما زالتِ الأيّامُ شيمتُها الغدرُ
لئِن أُلبِست فيهِ المُصيبة طيِّئٌ
لما عُرّيَت مِنها تميمٌ ولا بكرُ
كذلِك ما ننفكُّ نفقِدُ هالِكاً
يُشارِكُنا في فقدِهِ البدوُ والحضرُ
سقى الغيثُ غيثاً وارتِ الأرضُ شخصهُ
وَإن لم يكُن فيهِ سحابٌ ولا قطرُ
وَكيف اِحتِمالي لِلسحابِ صنيعةً
بِإسقائِها قبراً وفي لحدِهِ البحرُ
مضى طاهِر الأثوابِ لم تبق روضةٌ
غداة ثوى إلّا اِشتهت أنّها قبرُ
ثوى في الثرى من كان يحيا بِهِ الثرى
وَيَغمُرُ صرف الدهرِ نائِلُهُ الغمرُ
عليك سلامُ اللهِ وقفاً فإنّني
رأيتُ الكريم الحُرّ ليس لهُ عُمرُ
اقرأ أيضًا: أجمل قصائد الإمام الشافعي.
قصيدة: دمن ألم بها فقال سلام
دِمنٌ ألمّ بِها فقال سلامُ
كم حلّ عُقدة صبرِهِ الإلمامُ
نُحِرت رِكابُ القومِ حتّى يغبُروا
رجلى لقد عنُفوا عليّ ولاموا
عشِقوا ولا رُزِقوا أيُعذلُ عاشِقٌ
رُزِقت هواهُ معالِمٌ وخيامُ
وَقفوا عليّ اللوم حتّى خيّلوا
أنّ الوُقوف على الديارِ حرامُ
ما مرّ يومٌ واحِدٌ إلّا وفي
أحشائِهِ لِمحِلّتيكِ غمامُ
حتّى تُعمّم صُلعُ هاماتِ الرُبا
مِن نورِهِ وتأزّر الأهضامُ
وَلقد أراكِ فهل أراكِ بِغِبطةٍ
والعيشُ غضٌّ والزمانُ غُلامُ
أعوامُ وصلٍ كان يُنسي طولها
ذِكرُ النوى فكأنّها أيّامُ
ثُمّ اِنبرت أيّامُ هجرٍ أردفت
بِجوىً أسىً فكأنّها أعوامُ
ثُمّ اِنقضت تِلك السُنونُ وأهلُها
فكأنّها وكأنّهُم أحلامُ
أتصعصعت عبراتُ عينِك أن دعت
وَرقاءُ حين تصعصع الإظلامُ
لا تنشِجنّ لها فإنّ بُكاءها
ضحِكٌ وإنّ بُكاءك اِستِغرامُ
هُنّ الحمامُ فإن كسرت عيافةً
مِن حائِهِنّ فإنّهُنّ حِمامُ
اللهُ أكبرُ جاء أكبرُ من جرت
فتحيّرت في كُنهِهِ الأوهامُ
من لا يُحيطُ الواصِفون بِقدرِهِ
حتّى يقولوا قدرُهُ إلهامُ
من شرّد الإعدام عن أوطانِهِ
بِالبذلِ حتّى اِستُطرِف الإعدامُ
وَتكفّل الأيتام عن آبائِهِم
حتّى ودِدنا أنّنا أيتامُ
مُستسلِمٌ لِلّهِ سائِسُ أُمّةٍ
لِذوي تجهضُمِها لهُ اِستِسلامُ
يَتجنّبُ الآثام ثُمّ يخافُها
فكأنّما حسناتُهُ آثامُ
يا أيُّها الملِكُ الهُمامُ وعدلُهُ
ملِكٌ عليهِ في القضاءِ هُمامُ
ما زال حُكمُ اللهِ يُشرِقُ وجهُهُ
في الأرضِ مُذ نيطت بِك الأحكامُ
أسرت لك الآفاقُ عزمةُ هِمّةٍ
جُبِلت على أنّ المسير مُقامُ
إلّا تكُن أرواحُها لك سُخِّرت
فالعزمُ طوعُ يديك والإجذامُ
الشرقُ غربٌ حين تلحظُ قصدهُ
وَمخالِفُ اليَمنِ القصيِّ شآمُ
بِالشدقميّاتِ العِتاقِ كأنّما
أشباحُها بين الإكامِ إكامُ
والأعوَجيّاتُ الجيادِ كأنّها
تهوي وقد ونتِ الرياحُ سمامُ
لمّا رأيت الدين يخفِقُ قلبُهُ
والكُفرُ فيهِ تغطرُسٌ وعُرامُ
لوَريت زند عزائِمٍ تحت الدُجى
أسرجن فِكرك والبِلادُ ظلامُ
فنهضت تسحبُ ذيل جيشٍ ساقهُ
حُسنُ اليَقينِ وقادهُ الإقدامُ
مُثعنجِرٍ لجِبٍ ترى سُلّافهُ
وَلهُم بِمُنخرِقِ الفضاءِ زِحامُ
ملأ الملا عُصباً فكاد بِأن يُرى
لا خلف فيهِ ولا لهُ قُدّامُ
بِسواهِمٍ لُحُقِ الأياطِلِ شُرّبٍ
تعليقُها الإسراجُ والإلجامُ
وَمُقاتِلين إذا اِنتموا لم يُخزِهِم
في نصرِك الأخوالُ والأعمامُ
سفع الدُؤوبُ وُجوههُم فكأنّهُم
وَأبوهُمُ سامٌ أبوهُم حامُ
تخِذوا الحديد مِن الحديدِ معاقِلاً
سُكّانُها الأرواحُ والأجسامُ
مُسترسِلين إلى الحُتوفِ كأنّما
بين الحُتوفِ وبينهُم أرحامُ
آسادُ موتٍ مُخدِراتٌ ما لها
إلّا الصوارِم والقنا آجامُ
حتّى نقضت الروم مِنك بِوَقعةٍ
شنعاء ليس لِنقضِها إبرامُ
في معركٍ أمّا الحِمامُ فمُفطِرٌ
في هبوَتيهِ والكُماةُ صيامُ
والضربُ يُقعِدُ قرم كُلِّ كتيبةٍ
شرِسِ الضريبةِ والحُتوفُ قيامُ
ففصمت عُروَة جمعِهِم فيهِ وقد
جعلت تفصّمُ عن عُراها الهامُ
ألقوا دِلاءً في بُحورِك أسلمت
ترعاتِها الأكرابُ والأوذامُ
ما كان لِلإشراكِ فوزةُ مشهدٍ
واللهُ فيهِ وأنت والإسلامُ
لمّا رأيتهُمُ تُساقُ مُلوكُهُم
حِزقاً إليك كأنّهُم أنعامُ
جرحى إلى جرحى كأنّ جُلودهُم
يُطلى بِها الشيّانُ والعُلّامُ
مُتساقِطي ورقِ الثيابِ كأنّهُم
دانوا فأُحدِث فيهِم الإحرامُ
أكرمت سيفك غربهُ وذُبابهُ
عنهُم وحُقّ لِسيفِك الإكرامُ
فرددت حدّ الموتِ وهوَ مُركّبٌ
في حدِّهِ فاِرتدّ وهوَ زُؤامُ
أيقظت هاجِعهُم وهل يُغنيهُم
سهرُ النواظِرِ والعُقولِ نيامُ
جحدتك مِنهُم ألسُنُ لجلاجةٌ
أقررن أنّك في القُلوبِ إمامُ
اِسلم أمير المُؤمِنين لِأُمّةِ
نتجت رجاءك والرجاءُ عُقامُ
إنّ المكارِم لِلخليفةِ لم تزل
واللهُ يعلمُ ذاك والأقوامُ
كُتِبت لهُ ولِأوّليهِ وِراثةً
في اللوحِ حتّى جفّتِ الأقلامُ
مُتواطِّئو عقِبيك في طلبِ العُلا
والمجدُ ثُمّت تستوي الأقدامُ
قصيدة: لو أن دهرا رد رجع جواب
لو أنّ دهراً ردّ رجع جوابِ
أو كفّ مِن شأوَيهِ طولُ عِتابِ
لعذلتُهُ في دِمنتينِ بِرامةٍ
ممحوّتينِ لِزينبٍ وربابِ
ثِنتانِ كالقمرينِ حُفّ سناهُما
بِكواعِبٍ مِثلِ الدُمى أترابِ
مِن كُلِّ ريمٍ لم ترُم سوءاً ولم
تخلِط صِبى أيّامِها بِتصابي
أذكت عليهِ شِهاب نارٍ في الحشا
بِالعذلِ وهناً أُختُ آلِ شِهابِ
عذلاً شبيهاً بِالجُنونِ كأنّما
قرأت بِهِ الوَرهاءُ شطر كِتابِ
أوَما رأت بُرديّ مِن نسجِ الصِبى
وَرأت خِضاب اللهِ وهوَ خِضابي
لا جود في الأقوامِ يُعلمُ ما خلا
جوداً حليفاً في بني عتّابِ
مُتدفِّقاً صقلوا بِهِ أحسابهُم
إنّ السماحة صيقلُ الأحسابِ
قومٌ إذا جلبوا الجياد إلى الوَغى
أيقنت أنّ السوق سوقُ ضِرابِ
يا مالِك اِبن المالِكين ولم تزل
تُدعى ليَومي نائِلٍ وعِقابِ
لم ترمِ ذا رحِمٍ بِبائِقةٍ ولا
كلّمت قومك مِن وراءِ حِجابِ
لِلجودِ بابٌ في الأنامِ ولم تزل
يُمناك مِفتاحاً لِذاك البابِ
وَرأيت قومك والإساءةُ مِنهُمُ
جرحى بِظُفرٍ لِلزمانِ ونابِ
هُم صيّروا تِلك البُروق صواعِقاً
فيهِم وذاك العفوَ سوط عذابِ
فأقِل أُسامةُ جُرمها واِصفح لها
عنهُ وهب ما كان لِلوَهّابِ
رفدوك في يومِ الكُلابِ وشقّقوا
فيهِ المزاد بِجحفلٍ غلّابِ
وَهُمُ بِعينِ أُباغ راشوا لِلوَغى
سهميك عِند الحارِثِ الحرّابِ
وَلياليَ الحشّاكِ والثرثارِ قد
جلبوا الجياد لواحِق الأقرابِ
فمضت كُهولُهُمُ ودبّر أمرهُم
أحداثُهُم تدبير غيرِ صوابِ
لا رِقّةُ الحضرِ اللطيفِ غذتهُمُ
وَتباعدوا عن فِطنةِ الأعرابِ
فإذا كشفتهُمُ وجدت لديهِمُ
كرم النُفوسِ وقِلّة الآدابِ
أسبِل عليهِم سِتر عفوِك مُفضِلاً
واِنفح لهُم مِن نائِلٍ بِذِنابِ
لك في رسولِ اللهِ أعظمُ أُسوَةٍ
وَأجلُّها في سُنّةٍ وكِتابِ
أعطى المُؤلّفة القُلوبِ رِضاهُمُ
كرماً وردّ أخايِذ الأحزابِ
والجعفريّون اِستقلّت ظُعنُهُم
عن قومِهِم وهُمُ نُجومُ كِلابِ
حتّى إذا أخذ الفِراقُ بِقِسطِهِ
مِنهُم وشطّ بِهِم عنِ الأحبابِ
وَرأوا بِلاد اللهِ قد لفظتهُمُ
أكنافُها رجعوا إلى جوّابِ
فأتوا كريم الخيمِ مِثلك صافِحاً
عن ذِكرِ أحقادٍ مضت وضِبابِ
ليس الغبيُّ بِسيِّدٍ في قومِهِ
لكِنّ سيِّد قومِهِ المُتغابي
قد ذلّ شيطانُ النِفاقِ وأخفتت
بيضُ السُيوفِ زئير أُسدِ الغابِ
فاِضمُم أقاصيَهُم إليك فإنّهُ
لا يزخرُ الوادي بِغيرِ شِعابِ
والسهمُ بِالريشِ اللؤومِ ولن ترى
بيتاً بِلا عمدٍ ولا أطنابِ
مهلاً بني غُنمِ بنِ تغلِب إنّكُم
لِلصيدِ مِن عدنان والصيّابِ
لولا بنو جُشمِ بنِ بكرٍ فيكُمُ
رُفِعت خيامُكُمُ بِغيرِ قِبابِ
يا مالِك اِستودعتني لك مِنّةً
تبقى ذخائِرُها على الأحقابِ
يا خاطِباً مدحي إليهِ بِجودِهِ
وَلقد خطبت قليلة الخُطّابِ
خُذها اِبنة الفِكرِ المُهذّبِ في الدُجى
والليلُ أسوَدُ رُقعةِ الجِلبابِ
بِكراً توَرِّثُ في الحياةِ وتنثني
في السِلمِ وهيَ كثيرةُ الأسلابِ
وَيَزيدُها مرُّ الليالي جِدّةً
وَتقادُمُ الأيّامِ حُسن شبابِ
قصيدة: أجل أيها الربع الذي خف آهله
أجل أيُّها الربعُ الّذي خفّ آهِلُه
لقد أدركت فيك النوى ما تُحاوِلُه
وَقفتُ وأحشائي منازِلُ لِلأسى
بِهِ وهوَ قفرٌ قد تعفّت منازِلُه
أُسائِلُكُم ما بالُهُ حكم البِلى
عليهِ وإلّا فاِترُكوني أُسائِلُه
لقد أحسن الدمعُ المُحاماة بعدما
أساء الأسى إذ جاوَر القلب داخِلُه
دعا شوقُهُ يا ناصِر الشوقِ دعوَةً
فلبّاهُ طلُّ الدمعِ يجري ووابِلُه
بيَومٍ تُريك الموت في صورةِ النوى
أواخِرُهُ مِن حسرةٍ وأوائِلُه
وَقفنا على جمرِ الوَداعِ عشيّةً
وَلا قلب إلّا وهوَ تغلي مراجِلُه
وَفي الكِلّةِ الصفراءِ جُؤذرُ رملةٍ
غدا مُستقِلّاً والفِراقُ مُعادِلُه
تيَقّنتُ أنّ البين أوّلُ فاتِكٍ
بِهِ مُذ رأيتُ الهجر وهوَ يُغازِلُه
يُعنِّفُني أن ضِقتُ ذرعاً بِنأيِهِ
وَيَجزعُ أن ضاقت عليهِ خلاخِلُهُ
أتتك أمير المُؤمِنين وقد أتى
عليها الملا أدماثُهُ وجراوِلُه
وَصلن السُرى بِالوَخدِ في كُلِّ صحصحٍ
وَبِالسُهُدِ الموصولِ والنومُ خاذِلُه
رواحِلُنا قد بزّنا الهمُّ أمرها
إلى أن حسِبنا أنّهُنّ رواحِلُه
إذا خلع الليلُ النهار رأيتها
بِإرقالِها مِن كُلِّ وجهٍ تُقابِلُه
إلى قُطُبِ الدُنيا الّذي لو بِفضلِهِ
مدحتُ بني الدُنيا كفتهُم فضائِلُه
منِ البأسُ والمعروفُ والجودُ والتُقى
عيالٌ عليهِ رِزقُهُنّ شمائِلُه
جلا ظُلُماتِ الظُلمِ عن وجهِ أُمّةٍ
أضاء لها مِن كوكبِ الحقِّ آفِلهُ
وَلاذت بِحُقوَيهِ الخِلافةُ واِلتقت
على خِدرِها أرماحُهُ ومناصِلُه
أتتهُ مُغِذّاً قد أتاها كأنّها
وَلا شكّ كانت قبل ذاك تُراسِلُه
بِمُعتصِمٍ بِاللهِ قد عُصِمت بِهِ
عُرى الدينِ واِلتفّت عليها وسائِلُه
رعى اللهُ فيهِ لِلرعيّةِ رأفةً
تُزايِلُهُ الدُنيا وليست تُزايِلُه
فأضحوا وقد فاضت إليهِ قُلوبُهُم
وَرحمتُهُ فيهِم تفيضُ ونائِلُه
وَقام فقام العدلُ في كُلِّ بلدةٍ
خطيباً وأضحى المُلكُ قد شقّ بازِلُه
وَجرّد سيف الحقِّ حتّى كأنّهُ
مِن السلِّ مودٍ غِمدُهُ وحمائِلُه
رضينا على رغمِ الليالي بِحُكمِهِ
وَهل دافِعٌ أمراً وذو العرشِ قائِلُه
لقد حان من يُهدي سوَيداء قلبِهِ
لِحدِّ سِنانٍ في يدِ اللهِ عامِلُه
وَكم ناكِثٍ لِلعهدِ قد نكثت بِهِ
أمانيهِ واِستخذى لِحقِّك باطِلُه
فأمكنتهُ مِن رُمّةِ العفوِ رأفةً
وَمغفِرةً إذ أمكنتك مقاتِلُه
وَحاط لهُ الإقرارُ بِالذنبِ روحهُ
وَجُثمانهُ إذ لم تحُطهُ قبائِلُه
إذا مارِقٌ بِالغدرِ حاوَل غدرةً
فذاك حريٌّ أن تئيم حلائِلُه
فإن باشر الإصحار فالبيضُ والقنا
قِراهُ وأحواضُ المنايا مناهِلُه
وَإن يبنِ حيطاناً عليهِ فإنّما
أولئِك عُقّالاتُهُ لا معاقِلُه
وَإلّا فأعلِمهُ بِأنّك ساخِطٌ
وَدعهُ فإنّ الخوف لا شكّ قاتِلُه
بيُمنِ أبي إسحاق طالت يدُ العُلى
وَقامت قناةُ الدينِ واِشتدّ كاهِلُه
هوَ اليَمُّ مِن أيِّ النواحي أتيتهُ
فلُجّتُهُ المعروفُ والجودُ ساحِلُه
تعوّد بسط الكفِّ حتّى لو أنّهُ
ثناها لِقبضٍ لم تُجِبهُ أنامِلُه
وَلو لم يكُن في كفِّهِ غيرُ روحِهِ
لجاد بِها فليَتّقِ الله سائِلُه
عطاءٌ لوِ اِسطاع الّذي يستميحُهُ
لأصبح مِن بينِ الوَرى وهوَ عاذِلُه
إذا آمِلٌ ساماهُ قرطس في المُنى
مواهِبهُ حتّى يُؤمِّل آمِلُه
لُهىً تستثيرُ القلب لولا اِتِّصالُها
بِحُسنِ دِفاعِ اللهِ وُسوِس سائِلُه
إمام الهُدى واِبن الهُدى أيُّ فرحةٍ
تعجّلها فيك القريضُ وقائِلُه
رجاؤُك لِلباغي الغِنى عاجِلُ الغِنى
وَأوّلُ يومٍ مِن لِقائِك آجِلُه
قصيدة: رقت حواشي الدهر فهي تمرمر
رقّت حواشي الدهرُ فهيَ تمرمرُ
وَغدا الثرى في حليِهِ يتكسّرُ
نزلت مُقدِّمةُ المصيفِ حميدةً
وَيَدُ الشِتاءِ جديدةٌ لا تُكفرُ
لولا الّذي غرس الشِتاءُ بِكفِّهِ
لاقى المصيفُ هشائِماً لا تُثمِرُ
كم ليلةٍ آسى البِلاد بِنفسِهِ
فيها ويَومٍ وبلُهُ مُثعنجِرُ
مطرٌ يذوبُ الصحوُ مِنهُ وبعدهُ
صحوٌ يكادُ مِن الغضارةِ يُمطِرُ
غيثانِ فالأنواءُ غيثٌ ظاهِرٌ
لك وجهُهُ والصحوُ غيثٌ مُضمرُ
وَندىً إذا اِدّهنت بِهِ لِممُ الثرى
خِلت السِحاب أتاهُ وهوَ مُعذِّرُ
أربيعنا في تِسع عشرة حِجّةً
حقّاً لهِنّك للربيعُ الأزهرُ
ما كانتِ الأيّامُ تُسلب بهجةً
لو أنّ حُسن الروضِ كان يُعمّرُ
أوَلا ترى الأشياء إن هيَ غُيِّرت
سمُجت وحُسنُ الأرضِ حين تُغيّرُ
يا صاحِبيّ تقصّيا نظريكُما
تريا وُجوه الأرضِ كيف تصوّرُ
تريا نهاراً مُشمِساً قد شابهُ
زهرُ الرُبا فكأنّما هوَ مُقمِرُ
دُنيا معاشٌ لِلوَرى حتّى إذا
جُليَ الربيعُ فإنّما هيَ منظرُ
أضحت تصوغُ بُطونُها لِظُهورِها
نوراً تكادُ لهُ القُلوبُ تُنوِّرُ
مِن كُلِّ زائِرةٍ ترقرقُ بِالندى
فكأنّها عينٌ عليهِ تحدّرُ
تبدو ويَحجُبُها الجميمُ كأنّها
عذراءُ تبدو تارةً وتخفّرُ
حتّى غدت وهداتُها ونِجادُها
فِئتينِ في خِلعِ الربيعِ تبخترُ
مُصفرّةً مُحمرّةً فكأنّها
عُصبٌ تيَمنّ في الوَغا وتمضّرُ
مِن فاقِعٍ غضِّ النباتِ كأنّهُ
دُرُّ يُشقّقُ قبلُ ثُمّ يُزعفرُ
أو ساطِعٍ في حُمرةٍ فكأنّ ما
يَدنو إليهِ مِن الهواءِ مُعصفرُ
صُنعُ الّذي لولا بدائِعُ صُنعِهِ
ما عاد أصفر بعد إذ هوَ أخضرُ
خُلُقٌ أطلّ مِن الربيعِ كأنّهُ
خُلُقُ الإمامِ وهديُهُ المُتيَسِّرُ
في الأرضِ مِن عدلِ الإمامِ وجودِهِ
وَمِن النباتِ الغضِّ سُرجٌ تزهرُ
تُنسى الرياضُ وما يُروّضُ فِعلُهُ
أبداً على مرِّ الليالي يُذكرُ
إنّ الخليفة حين يُظلِمُ حادِثٌ
عينُ الهُدى ولهُ الخِلافةُ محجرُ
كثُرت بِهِ حركاتُها ولقد تُرى
مِن فترةٍ وكأنّها تتفكّرُ
ما زِلتُ أعلمُ أنّ عُقدة أمرِها
في كفِّهِ مُذ خُلّيَت تتخيّرُ
سكن الزمانُ فلا يدٌ مذمومةٌ
لِلحادِثاتِ ولا سوامٌ يُذعرُ
نظم البِلاد فأصبحت وكأنّها
عِقدٌ كأنّ العدل فيهِ جوهرُ
لم يبق مبدىً موحِشٌ إلّا اِرتوى
مِن ذِكرِهِ فكأنّما هوَ محضرُ
ملِكٌ يضِلُّ الفخرُ في أيّامِهِ
وَيَقِلُّ في نفحاتِهِ ما يكثُرُ
فليَعسُرنّ على الليالي بعدهُ
أن يُبتلى بِصُروفِهِنّ المُعسِرُ
قصيدة: أحسن بأيام العقيق وأطيب
أحسِن بِأيّامِ العقيقِ وأطيِبِ
والعيشِ في أظلالِهِنّ المُعجِبِ
وَمصيفِهِنّ المُستظِلِّ بِظِلِّهِ
سِربُ المها وربيعِهِنّ الصيِّبِ
أُصُلٌ كبُردِ العصبِ نيط إلى ضُحىً
عبِقٍ بِريحانِ الرياضِ مُطيّبِ
وَظِلالِهِنّ المُشرِقاتِ بِخُرّدٍ
بيضٍ كواعِب غامِضاتِ الأكعُبِ
وَأغنّ مِن دُعجِ الظِباءِ مُربّبٍ
بُدِّلن مِنهُ أغنّ غير مُربّبِ
لِلّهِ ليلتُنا وكانت ليلةً
ذُخِرت لنا بين اللِوى فالشُربُبِ
قالت وقد أعلقتُ كفّي كفّها
حِلّاً وما كُلُّ الحلالِ بِطيِّبِ
فنعِمتُ مِن شمسٍ إذا حُجِبت بدت
مِن نورِها فكأنّها لم تُحجبِ
وَإذا رنت خِلت الظِباء ولدنها
رِبعيّةً واِستُرضِعت في الربربِ
إنسيّةٌ إن حُصِّلت أنسابُها
جِنّيّةُ الأبوَينِ ما لم تُنسبِ
قد قُلتُ لِلزبّاءِ لمّا أصبحت
في حدِّ نابٍ لِلزمانِ ومِخلبِ
لِمدينةٍ عجماء قد أمسى البِلى
فيها خطيباً بِاللِسانِ المُعرِبِ
فكأنّما سكن الفناءُ عِراصها
أو صال فيها الدهرُ صولة مُغضِبِ
لكِن بنو طوقٍ وطوقٌ قبلهُم
شادوا المعالي بِالثناءِ الأغلبِ
فستخربُ الدُنيا وأبنيَةُ العُلى
وَقِبابُها جُدُدٌ بِها لم تخربِ
رُفِعت بِأيّامِ الطِعانِ وغُشّيَت
رِقراق لونٍ لِلسماحةِ مُذهبِ
يا طالِباً مسعاتهُم ليَنالها
هيهات مِنك غُبارُ ذاك الموكِبِ
أنت المُعنّى بِالغواني تبتغي
أقصى موَدّتِها بِرأسٍ أشيَبِ
وَطِئ الخُطوب وكفّ مِن غُلوائِها
عُمرُ بنُ طوقٍ نجمُ أهلِ المغرِبِ
مُلتفُّ أعراقِ الوَشيجِ إذا اِنتمى
يَوم الفخارِ ثريُّ تربِ المنصِبِ
في معدِنِ الشرفِ الّذي مِن حليِهِ
سُبِكت مكارِمُ تغلِب اِبنةِ تغلِبِ
قد قُلتُ في غلسِ الدُجى لِعِصابةٍ
طلبت أبا حفصٍ مُناخ الأركُبِ
الكوكبُ الجُشميُّ نصب عُيونِكُم
فاِستوضِحوا إيضاء ذاك الكوكبِ
يُعطي عطاء المُحسِنِ الخضِلِ الندى
عفواً ويَعتذِرُ اِعتِذار المُذنِبِ
وَمُرحِّبٍ بِالزائِرين وبِشرُهُ
يُغنيك عن أهلٍ لديهِ ومرحبِ
يَغدو مُؤمِّلُهُ إذا ما حطّ في
أكنافِهِ رحل المُكِلِّ المُلغِبِ
سلِس اللُبانةِ والرجاءِ بِبابِهِ
كثب المُنى مُمتدّ ظِلِّ المطلبِ
الجِدُّ شيمتُهُ وفيهِ فُكاهةٌ
سُجُحٌ ولا جِدٌّ لِمن لم يلعبِ
شرِسٌ ويُتبعُ ذاك لين خليقةٍ
لا خير في الصهباءِ ما لم تُقطبِ
صلبٌ إذا اِعوَجّ الزمانُ ولم يكُن
ليُلين صُلب الخطبِ من لم يصلُبِ
الوُدُّ لِلقُربى ولكِن عُرفُهُ
لِلأبعدِ الأوطانِ دون الأقربِ
وَكذاك عتّابُ بنُ سعدٍ أصبحوا
وَهُمُ زِمامُ زمانِنا المُتقلِّبِ
هُم رهطُ من أمسى بعيداً رهطُهُ
وَبنو أبي رجُلٍ بِغيرِ بني أبِ
وَمُنافِسٍ عُمر بن طوقٍ ما لهُ
مِن ضِغنِهِ غبرُ الحصى والأثلبِ
تعِبُ الخلائِقِ والنوالِ ولم يكُن
بِالمُستريحِ العِرضِ من لم يتعبِ
بِشُحوبِهِ في المجدِ أشرق وجهُهُ
لا يستنيرُ فعال من لم يشحُبِ
بحرٌ يطِمُّ على العُفاةِ وإن تهِج
ريحُ السُؤالِ بِموجِهِ يغلولِبِ
والشولُ ما حُلِبت تدفّق رِسلُها
وَتجِفُّ دِرّتُها إذا لم تُحلبِ
يا عقب طوقٍ أيُّ عقبِ عشيرةٍ
أنتُم ورُبّت مُعقِبٍ لم يُعقِبِ
قيّدتُ مِن عُمر بنِ طوقٍ هِمّتي
بِالحوّلِ الثبتِ الجنانِ القُلّبِ
نفق المديحُ بِبابِهِ فكسوتُهُ
عِقداً مِن الياقوتِ غير مُثقّبِ
أولى المديحِ بِأن يكون مُهذّباً
ما كان مِنهُ في أغرّ مُهذّبِ
غرُبت خلائِقُهُ وأغرب شاعرٌ
فيهِ فأحسن مُغرِبٌ في مُغرِبِ
لمّا كرُمت نطقتُ فيك بِمنطِقٍ
حقٍّ فلم آثم ولم أتحوّبِ
وَمتى اِمتدحتُ سِواك كُنتُ متى يضِق
عنّي لهُ صِدقُ المقالةِ أكذِبِ