مُعلّقة طرفة بن العبد
تعد واحدة من أشهر المعلقات في الشعر العربي الجاهلي. تدور معظم أبيات معلقة طرفة حول تأملات الشاعر في الحياة والموت، والفخر بنفسه، ووصف للناقة، ووصف الخمر، كما أنها تعكس فلسفته تجاه الحياة والموت. تتنوع موضوعات المعلقة بين الغزل والفخر والحكمة، إلا أن أكثر ما يميزها هو تأملاته في الحياة وقصرها، وكذلك وصفه للملذات والمتع. يُعبر الشاعر من خلال قصيدته عن رؤية تملؤها النزعة إلى المتعة والتمتع بملذات الحياة في ظل قصرها وعدم اليقين بمستقبلها.
نبذة عن طرفة بن العبد
طرفة بن العبد هو شاعر عربي جاهلي من قبيلة بني بكر ولد في سنة 82 قبل الهجرة الموافق 543 ميلادي. وهو من شعراء الطبقة الأولى، ويعد من أصغر شعراء المعلقات سنًا حيث توفي في مقتبل العمر في نحو 26 من عمره، ومع ذلك ترك إرثًا شعريًا كبيرًا، وكانت معلقته أبرز ما يُنسب إليه.
اقرأ أيضًا: معلقة امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
نص معلقة طرفة بن العبد: لخولة أطلال ببرقة ثهمد
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
وقوفًا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجلد
كأن حدوج المالكية غدوةً
خلايا سفينٍ بالنواصف من دد
عدوليةٌ أومن سفين ابن يامنٍ
يجور بها الملاح طورًا ويهتدي
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسم الترب المفايل باليد
وفي الحي أحوى ينقض المرد شادنٌ
مظاهر سمطي لؤلؤٍ وزبرجد
خذولٌ تراعى ربربًا بخميلةٍ
تناول أطراف البرير وترتدي
وتبسم عن ألمى كأن منورًا
تخلل حر الرمل دعصٌ له ند
سقته إياة الشمس إلا لثاته
أسف ولم تكدم عليه بإثمد
ووجهٍ كأن الشمس ألقت رداءها
عليه نقي اللون لم يتخدد
وإني لأمضي الهم عند احتضاره
بعوجاء مرقالٍ تروح وتغتدي
أمونٍ كألواح الإران نسأتها
على لاحبٍ كأنه ظهر برجد
جماليةٌ وجناء تردي كأنها
سفنجةٌ تبري لأزعر أربد
تباري عتاقًا ناجياتٍ وأتبعت
وظيفًا وظيفًا فوق مورٍ معبد
تربعت القفين في الشول ترتعي
حدائق موليٍ الأسرة أغيد
تريع إلى صوت المهيب وتتقي
بذي خصلٍ روعات أكتف ملبد
كأن جناحي مضرجيٍ تكنفا
حفافيه شكا في العسيب بمسرد
فطورًا به خلف الزميل وتارةً
على حشفٍ كالشن ذاوٍ مجدد
لها فخذان أكمل النحض فيهما
كأنهما بابا منيفٍ ممرد
وطيٌ محاٍل كالحني خلوفه
وأجرنةٌ لزت بدأيٍ منضد
كأن كناسي ضالةٍ يكنفانها
وأطر قسيٍ تحت صلبٍ مؤيد
لها مرفقان أفتلان كأنها
يمر بسلمي دالجٍ متشدد
كقنطرة الرومي أقسم ربها
لتكتنفن حتى تشاد بقرقد
صهابية العثنون موجدة الفرا
بعيدة وخد الرجل موارة اليد
أمرت يداها فتل شزرٍ وأجنحت
لها عضداها في سقيفٍ مسند
جنوحٌ دفاقٌ عندك ثم أفرغت
لها كتفاها في معالى مصعد
كأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ في دَأَياتِها
مَوارِدُ من خَلْقاءَ في ظَهر قَرْدَدِ
تلاقى وأحيانًا تبين كأنها
بنائق غر في قميصٍ مقدد
وأتلع نهاضٌ إذا صعدت به
كسكان بوصيٍ بدجلة مصعد
وجمجمةٍ مثل الفلاة كأنما
وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد
وخد كقرطاس الشآمي ومشفرٌ
كسبت اليماني قده لم يجرد
وعينان كالماويتين استكنتا
بلهفي حجاجي صخرةٍ قلت مورد
طحوران عوار القذى فتراهما
كمكحولتي مذعورةٍ أم فرقد
وصادقتا سمع التوجس للسرى
لهجس خفيٍ أو لصوت مندد
مؤللتان تعرف العتق فيهما
كسامعتي شاةٍ بحومل مفرد
وأروع نباضٌ أحد ململمٌ
كمرداة صخرٍ في صفيحٍ مصمد
وإن شئت سامى واسط الكور رأسها
وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت
مخافة ملوي من العد محصد
وأعلم محزوتٌ من الأنف مارنٌ
عتيق متى ترجم به الأرض تزدد
إذا أقبلت قالوا تأخر رحلها
وإن أدبرت قالوا تقدم فاشدد
وتضحي الجبال الحمر خلفي كأنها
من البعد حفت بالملاء المعضد
وتشرب بالقعب الصغير وإن تقد
بمشفرها يومًا إلى الليل تنقد
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي
ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس خوفًا وخاله
مصابًا ولو أمسى على غير مرصد
إذا القوم قالوا من فتىً؟ خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
أحلت عليها بالقطيع فأجذمت
وقد خب آل الأمعز المتوقد
فذالت كما ذالت وليدة مجلسٍ
تري ربها أذيال سحلٍ معدد
ولست بحلال التلاع مخافةً
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
وإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
متى تأتني أصبحك كأسًا رويةً
وإن كنت عنها غانيًا فاغن وازدد
وإن يلتق الحي الجميع تلاقني
إلى ذروة البيت الكريم المصمد
نداماي بيض كالنجوم وقينةٌ
تروح علينا بين بردٍ ومجسد
رحيب قطاب الجيب منها رقيقةٌ
بجس الندامى بضة المتجرد
إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا
على رسلها مطروقةً لم تشدد
إذا رجعت في صوتها خلت صوتها
تجاوب آظآرٍ على ربعٍ رد
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
ولا أهل هذاك الطراف الممدد
ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
ولولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتى
وجدك لم أحفل متى قام عودي
ومنهن سبقي العاذلات بشربةٍ
كميتٍ متى ما تعل بالماء تزبد
وكريٌ إذا نادى المضاف محنبًا
كسيد الفضا بنهته المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجبٌ
ببهكنةٍ تحت الخباء المعمد
كأن البرين والدماليج غلقت
على عشرٍ أوخروعٍ لم يحضد
ذريني أروي هامتي في حياتها
مخافة شربٍ في الحياة مصرد
كريمٌ يروي نفسه في حياته
ستعلم : إن متنا غدًا أينا الصدي
أرى قبر نخامٍ بخيلٍ بماله
كقبر غويٍ في البطالة مفسد
ترى جثوتين من ترابٍ عليهما
صفائح صمٌ من صفيحٍ منضد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى الموت يعتاد النفوس ولا أرى
بعيدًا غدًا ما أقرب اليوم من غد
أرى العيش كنزًا ناقصًا كل ليلةٍ
وما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه باليد
متى ما يشأ يومًا يقده لحتفه
ومن يك في حبل المنية ينقد
فما لي أراني وابن عمي مالكًا
متى أدن منه ينأ عني ويبعد
يلوم وما أدري علام يلومني
كما لامني في الحي قرط بن معبد
وأيأسني من كل خيرٍ طلبته
كأنا وضعناه إلى رمس ملحد
على غير ذنبٍ قلته غير أنني
نشدت فلم أغفل حمولة معبد
وقربت بالقربى وجدك إنني
متى يك أمرٌ للنكيثة أشهد
وإن أدع للجلى أكن من حماتها
وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد
وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم
بكأس حياض الموت قبل التهدد
بلا حدثٍ أحدثته وكمحدثٍ
هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
فلو كان مولاي امرءًا هو غيره
لفرج كربي أو لانظرني غدي
ولكن مولاي امرؤ هو خانقي
على السكر والتسآل أو أنا مفتد
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً
على المرء من وقع الحسام المهند
فذرني وخلقي إنني لك شاكرٌ
ولوحل بيتي نائيًا عند ضرغد
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالدٍ
ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مالٍ كثيٍر وزارني
بنونٌ كرامٌ سادةٌ لمسود
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه
خشاشٌ كرأس الحية المتوقد
فآليت لا ينفك كشحي بطانةً
لعضبٍ رقيقٍ الشفرتين مًهند
حسامٌ إذا ما قمت منتصرًا به
كفى العوذ فيه البدء ليس بمعضد
أخي ثقةٍ لا ينثني عن ضريبةٍ
إذا قيل مهلًا قال حاجزه قدي
إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني
منيعًا إذا ابتلت بقائمه يدي
وبرك هجودٍ قد أثارت مخافتي
بواديها أمشي بعضبٍ مجرد
فمرت كهاة ذات خيفٍ جلالةٌ
عقيلة شيخٍ كالوبيل بلندد
يقول وقد ثر الوظيف وساقها
ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
وقال: ألا ماذا؟ ترون بشاربٍ
شديدٍ علينا بغيه متعمد
وقال ذروه إنما نفعها له
وإلا تكفوا قاصي البرك يزدد
فظل الإماء يمتللن حوارها
ويسعى بها بالسديف المسرهد
فإن مت فانعني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
ولا تجعليني كامريء ليس همه
كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
تبطيء عن الجلى سريعٍ إلى الخنا
ذلولٍ بأجماع الرجال ملهد
ولو كنت وغلًا في الرجال لضرني
عداوة ذي الأصحاب والمتوحد
ولكن نفى الأعادي جرأتي
عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي
لعمرك ما أمري علي بغمةٍ
نهاري ولا ليلي علي بسرمد
ويومٍ حبست النفس عند عراكه
حفاظًا على عوراته والتهدد
على موطنٍ يخشى الفتى عنده الردى
متى تعترك فيه الفرائض ترعد
أرى الموت لا يرعى على ذي جلالةٍ
وإن كان في الدنيا عزيزًا بمقعد
وأصفر مضبوحٍ نظرت حواره
على النار واستودعته كف مجمد
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له
بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد
لعمرك ما الأيام إلا معارةٌ
فما اسطعت من معروفها فتزود
ولا خير في خيرٍ ترى الشر دونه
ولا نائلٍ يأتيك بعد التلدد
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فكل قرينٍ بالمقارَن يقتدي
لعمرك ما أدري وإني لواجل
أفي اليوم إقدام المنية أم غد؟
فإن تك خلفي لا يفتها سواديا
وإن تك قدامي أجدها بمرصد
إذا أنت لم تنفع بودك أهله
ولم تنك بالبؤسى عدوك فابعد
لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي
ولا أختني من صولةٍ المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته
لمختلفٌ إيعادي ومنجز موعدي
ختامًا: معلقة طرفة بن العبد ليست مجرد قصيدة جاهلية تقليدية، بل هي وثيقة أدبية تعكس نظرة الشاعر للحياة، فهي دعوة للتمتع باللحظة الحاضرة، والتفكر في مصير الإنسان. لقد جسد طرفة بن العبد في هذه المعلقة روح التمرد والحرية التي ميزته، وما زالت قصيدته تُقرأ حتى اليوم كواحدة من أهم الأعمال الشعرية في التراث العربي.